الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }

أناب: يعني رجع وقطع صلته بغير الحق { إِلَيْهِ.. } [الروم: 31] إلى الله، فلا علاقة له بالخَلْق في مسألة العقائد، فجعل كل علاقته بالله. ومنه يسمون الناب لأنه يقطع الأشياء، ويقولون: ناب إلى الرشد، وثاب إلى رشده، كلها بمعنى: رجع، وما دام هناك رجوع فهناك أصل يُرجع إليه، وهو أصل الفطرة. وقوله تعالى { وَٱتَّقُوهُ.. } [الروم: 31] لأنه لا يجوز أنْ تنيب إلى الله، وأن ترجع إليه، وأن تجعله في بالك ثم تنصرف عن منهجه الذي شرَّعه لينظم حركة حياتك، فالإنابة وحدها والإيمان بالله لا يكفيان بل لا بُدَّ من تطبيق المنهج بتقوى الله، لذلك كثيراً ما يجمع القرآن بين الإيمان والعمل الصالح:إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ.. } [الشعراء: 227]. لأن فائدة الإيمان وثمرته بعد أن تؤمن بالإله الحق، وأن منهجه هو الصدق، وفيه نفعك وسلامتك في حركة حياتك، وأنه الذي يُوصِّلك إلى سعادة الدارين، ولا معنى لهذا كله إلا بالعمل والتطبيق. { وَٱتَّقُوهُ.. } [الروم: 31] أي: اتقوا غضبه، واجعلوا بينكم وبين غضب الله وقاية، وهذه الوقاية تتحقق باتباع المنهج في افعل ولا تفعل. وسبق أن تكلمنا في معنى التقوى وقلنا: إنها تحمل معنيين يظن البعض أنهما متضاربان حين نقول: اتقوا الله. واتقوا النار. لكن المعنى واحد في النهاية لأن معنى اتق الله: اجعل بينك وبين عذاب الله وغضبه وقاية، وهذا نفسه معنى: اتق النار. يعني: ابتعد عن أسبابها حتى لا تمسَّك. وقوله تعالى: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ.. } [الروم: 31] أقيموا الصلاة أدُّوها على الوجه الأكمل، وأدُّوها على ما أُحبُّ منكم في أدائها، فساعة أناديك: الله أكبر يجب أن تقبل عليَّ، وأنت حين تُلبِّي النداء لا تأتي لتعينني على شيء، ولا أنتفع بك في شيء، إنما تنتفع أنت بهذا اللقاء، وتستمد مني العون والقوة، وتأخذ شحنة إيمان ويقين من ربك. وقلنا: ما تصورك لآلة تُعرَض على صانعها كل يوم خمس مرات أيبقى بها عَطَب؟ لذلك يُعلِّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه إذا حزبنا أمر أن نهرع إلى الصلاة، وكذلك كان يفعل صلى الله عليه وسلم إذا عزَّ عليه شيء، أو ضاقت به الأسباب، وإلا فما معنى الإيمان بالله إنْ لم تلجأ إليه. وما دام ربك غيباً، فهو سبحانه يُصلحك بالغيب أيضاً، ومن حيث لا تدري لذلك أمرنا ربنا بإقامة الصلاة، وجعلها عماد الدين والركْن الذي لا يسقط عنك بحال، فالزكاة والحج مثلاً يسقطان عن الفقير وعن غير القادر، والصوم يسقط عن المريض أو المسافر، في حين مرضه أو سفره، ثم يقضيه بعد انقضاء سبب الإفطار. أما الصلاة فهي الركْن الدائم، ليس مرة واحدة في العمر، ولا مرة واحدة في العام، إنما خمس مرات في اليوم والليلة، فبها يكون إعلان الولاء لله تعالى إعلاناً دائماً، وهذا إنْ دلَّ فإنما يدل على عظمة الإنسان ومكانته عند ربه وخالقه.

السابقالتالي
2 3