الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ }

السماء هنا بمعنى السماوات السبع التي تقوم بلا عَمَد، وقلنا: إن الشيء الذي يعلوك إما أنْ يُحمل على أعمدة، وإما أنْ يُشدَّ إلى أعلى، مثل الكباري المعلقة مثلاً، وكذلك السماء سقف مرفوع لا نرى له أعمدة. إذن: لا تبقى إلا الوسيلة الأخرى، وهي أن الله تعالىوَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ.. } [الحج: 65] فهي قائمة بأمره. { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ.. } [الروم: 25] لا يهتز لها نظام أبداً، ولا تجد فيها فروجاً، لأنها محْكَمة البناء، وانظر إليها حين صفاء السماء وخُلوِّها من السحب تجدها ملساء ذات لون واحد على اتساعها، أيستطيع أحد من رجال الدهانات أن يطلي لنا مثل هذه المساحة بلون واحد لا يختلف؟ وإذا أخذنا السماء على أنها كُلُّ ما علاك فأظلَّك، فانظر إلى الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وكيف أنها تقوم بأمر الله خالقها على نظام دقيق لا اختلالَ فيه، فلم نَر مثلاً كوكباً اصطدم بآخر، ولا شيئاً منها خرج عن مساره. وصدق الله تعالىكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [الأنبياء: 33] فلكل منها سرعة، ولكل منها مداره الخاص ونظام بحسبان ذلك لأنها تقوم بأمر الله وقدرته تعالى فهي منضبطة تؤدي مهمتها دون خلل، ودون تخلّف. فمعنى { تَقُومَ.. } [الروم: 25] يعني: تظل قائمة على حالها دون فساد، وهو فعل مضارع دالٌّ على استمرار. وحين تتأمل: قبل أن يخترع الإنسان المجاهر والميكروسكوبات لم نكن نرى من المجموعة الشمسية غير الشمس، فلما اخترعوا المجهر رأينا الكواكب الأخرى التي تدور حولها. والعجيب أنها لا تدور في دوائر متساوية، إنما في شكل إهليلي، يتسع من ناحية، ويضيق من ناحية، وهذه الكواكب لها دورة حول الشمس، ودورة أخرى حول نفسها. فالأرض مثلاً لها مدار حول الشمس ينشأ عنه الفصول الأربعة، ولها دورة حول نفسها ينشأ عنها الليل والنهار، وكل هذه الحركة المركبة تتم بنظام دقيق محكم منضبط غاية الانضباط. وهذه الكواكب تتفاوت في قُرْبها أو بُعْدها عن الشمس، فأقربها من الشمس عطارد، ثم الزهرة، ثم الأرض، ثم المشتري، ثم المريخ، ثم زحل، ثم أورانوس، ثم نبتون، ثم أبعدها عن الشمس بلوتو. ولكل منها مداره الخاص حول الشمس وتسمى عام، ودورة حول نفسه تسمى يوم. وعجيب أن يوم الزهرة، وهو ثاني كوكب من الشمس يُقدَّر بـ 244 يوماً من أيام الأرض، في حين أن العام بالنسبة لها يُقدَّر بـ 225 يوماً من أيام الأرض، فالعام أقل من اليوم، كيف؟ قالوا: لأن هذه دورة مستقلة، وهذه دورة مستقلة، فهي سريعة في دورانها حول الشمس، وبطيئة في دورانها حول نفسها. ولو علمتَ أن في الفضاء وفي كون الله الواسع مليون مجموعة مثل مجموعتنا الشمسية في سكة التبَّانة، وهذا كله في المجرة التي نعرفها - لو علمت ذلك لتبيَّن لك عظَم هذا الكون الذي لا نعرف عنه إلا القليل لذلك حين تقرأ:

السابقالتالي
2