الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ }

معنى { يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [الروم: 12] أي: يسكتون سُكوتَ اليائس الذي لا يجد حجة، فينقطع لا يدري ما يقول ولا يجد مَنْ يدافع عنه، حتى قادتهم وكبراؤهم قد سبقوهم إلى العذاب، فلم يعُدْ لهم أمل في النجاة، كما قال تعالى:يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ.. } [هود: 98]، ومن ذلك سُمِّي إبليس لأنه يئس من رحمة الله. وفي موضع آخر يقول الحق سبحانه:فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } [الأنعام: 44]. أي: لما نسوا منهج الله أراد سبحانه أن يعاقبهم في الدنيا، وحين يعاقبهم الله في الدنيا لا يأخذهم على حالهم إنما يُرخي لهم العَنان، ويُزيد لهم في الخيرات، ويُوسِّع عليهم مُتَع الدنيا وزخارفها، حتى إذا أخذهم على هذه الحال كان أَخْذه أليماً، وكانت سقطتهم من أعلى. كما أنك مثلاً لا تُوقع عدوك من على الحصيرة، إنما ترفعه إلى أعلى ليكون الانتقام أبلغَ، أمّا إنْ أخذهم على حال الضِّيق والفقر، فالمسألة إذن هيِّنة، وما أقرب الفقر من العذاب! ولنا ملحظ في قوله تعالىفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ.. } [الأنعام: 44] فمادة فتح إنْ أراد الحق سبحانه الفتح لصالح المفتوح عليه يقولإِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [الفتح: 1] وإن أراد الفتح لغير صالحه يقولفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ.. } [الأنعام: 44] والفرق بيِّن بين المعنيين، لأن اللام هنا للملكفَتَحْنَا لَكَ.. } [الفتح: 1] إنما علىفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ.. } [الأنعام: 44] فتعني ضدهم وفي غير صالحهم، كما نقول في المحاسبة: له وعليه، له في المكسب وعليه في الخسارة.