الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ }

وحين تسمع " قل " فهي أمر من الله لرسوله كما قلنا من قبل إنك إذا كلفت إنساناً أن يقول جملة لمن ترسله إليه فهل هذا الإنسان يأتي بالأمر " قل " أو يؤدي الجملة؟ إنه يؤدي الجملة، ومثال ذلك حين تقول لابنك مثلاً: " قل لعمك: إن أبي سيأتيك غداً " فابنك يذهب إلى عمه قائلاً: " أبي يأتيك غداً ". وقد يقول قائل: ألم يكن يكفي أن يقول الله للرسول: " قل يا محمد " فيبلغنا رسول الله يا أهل الكتاب لم تكفرون؟ كان ذلك يكفي، ولكن الرسول مبلغ الأمر نفسه من الله، فكأنه قال ما تلقاه من الله، والذي تلقاه الرسول من الله هو: { قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [آل عمران: 98] وهذا يدل على أن الرسول يبلغ حرفياً ما سمعه عن الله وهناك آيات كثيرة في القرآن تبدأ بقول الحق: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [آل عمران: 98] ولا يأتي فيها قول الحق: " قل ". وهناك آيات تأتي مسبوقة بـ " قل " " ما الفرق بين الاثنين "؟ نحن نجد أن الحق مرة يتلطف مع خلقه، فيجعلهم أهلا لخطابه، فيقول: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَاب } [آل عمران: 98] إنه خطاب من الله لهم مباشرة. ومرة يقول لرسوله: قل لهم يا محمد لأنهم لم يتساموا إلى مرتبة أن يُخاطبوا من الله مباشرة: فإذا ما وجدنا خطاباً من الحق للخلق، مرة مسبوقاً بـ " قل " ومرة أخرى غير مسبوق فلْتعلم أن الحق سبحانه حين يخاطب خلقه الذين خلقهم يتلطف معهم مرة، ويجعلهم أهلاً لأن يخاطبهم، ومرة حين يجد منهم اللجاج فإنه يبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم: قل لهم. والمثال على ذلك - ولله المثل الأعلى - في حياتنا، نجد الواحد منا يقول لمن بجانبه: قل لصاحب الصوت العالي أن يصمت. إن هذا القائل قد تَعَالَى عن أن يخاطب هذا الإنسان صاحب الصوت المرتفع فيطلب ممن يجلس بجانبه أن يأمر صاحب الصوت العالي بالسكوت. وحين يجيء الخطاب لأهل الكتاب فنحن نعرف أنهم اليهود أصحاب التوراة، والنصارى أصحاب الإنجيل، وهؤلاء هم من يقول عنهم الحق: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَاب } [آل عمران: 98]. ولم يقل أحد لنا: " يا أهل القرآن " لماذا؟ لأن الحق حين يقول لهم: { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَاب } [آل عمران: 98] فنحن نعرف أن الكتاب يُطلق على كل مكتوب، وكفرهم يعارض ما علم الله أنه موجود في الكتاب الذي أنزل عليهم لأنه هو الذي أنزل الكتاب، ويعلم أن ما في الكتاب يدعو إلى الإيمان، ولا يدعو إلى الكفر. وما دام هو الحق الذي نَزَّل الكتاب، وهو الشاهد، فيصبح من الحمق من أهل الكتاب أن يوقعوا أنفسهم في فخ الكفر لأنهم بذلك يكذبون على الله: والله - سبحانه - يسجل عليهم أنهم خالفوا ما هو مكتوب ومنزل عليهم في كتابهم.

السابقالتالي
2