الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

{ لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [آل عمران: 92]. وتؤدي كل مادة الباء والراء المضعفة إلى معنى " السعة " ، فـ " البَرّ " أي الواسع والبَرّ أي الأرض المتسعة ومقابله " البحر " وإن قال قائل: " إن البحر أوسع من البر، لأن حجم القارات ليس في حجم البحار والمحيطات التي تفصل بينها ": نقول لمثل هذا القائل: لا، إن حركتك في البر - الأرض - موسعة، وحركتك في البحر مضيقة لأنك لا تتحرك في البحر إلا على شكل خاص، إما أن تتحرك بسفينة أو حتى على لوح من الخشب، أما حركتك في البر - الأرض - فأنت تمشي أو تركب، تذهب أو تجيء، فمجالك في البر متسع عن مجالك في البحر. و " البِرّ " هو التقوى، والطاعة، أو هو " الجنة " وكلها معان ملتقية، لأنها تؤدي إلى السعة، فالطاعة تؤدي إلى السعة، وكذلك التقوى، وكذلك الجنة، كلها ملتقية لأن كلها سعة، فأحدهم أخذ معنى الكلمة من مرحلتها الأولى أي بالسبب وهو الطاعة، وبعضهم أخذها من المرحلة الأخيرة أي بالمسبب وهو الجنة، وقد يسأل سائل، لماذا أراد الله أن يجيء بحديث عن النفقة بعد الحديث عن تعذيب الكفار؟ ونقول: إن الحق حين يتكلم عمن يصيبه العذاب الأليم لأنه كفر ومات كافراً، وماله من ناصرين فإن المقابل يأتي إلى الذهن، وهو من آمن وعمل صالحاً، ومات على إيمانه، فله عكس العذاب الأليم وهو النعيم، وسيجد من يأخذ بيده، بينما الكافر لن يجد ناصرين له. إن المؤمن سيجد جزاء الله على الطاعة وهي البر لأن البر هو كل خير، وإن جاء إطلاقه فإنه ينصرف إلى الجزاء من الله وقمته هو الجنة. وهكذا نرى المقابل لمعاملة الحق للكفار وهو معاملة الحق للمؤمنين، لقد جاء هذا القول في القرآن وهو كلام الله المعجز، وحين يخاطب سبحانه المكلفين بالمنهج، فهو يخاطب بكلامه ملكات إنسانية خلقها هو، إذن فلابد أن يغذي هذا الكلام كل الملكات المخلوقة لله، فلو كان الخالق للملكات غير المتكلم لكان من الممكن ألا ينسجم الكلام مع الملكات، ولكن الكلام هنا لله الذي خلق، لذلك لابد أن تنسجم الملكات مع كلام الله. وفي النفس الإنسانية ملكات متعددة، وهذه الملكات المتعددة متشابكة تشابكاً دقيقاً فتستطيع حين تخاطب ملكة سمعية أن تحرك مواجيد وجدانية، فإن لم يكن العالم بالملكات عليما بها لما أمكن أن يجيء المنطق موافقاً لملكة سمعية، وموافقاً لملكات وجدانية قد تتأتى بها طبيعة تداعي المعاني. و " تداعي المعاني " هو الخاصية الموجودة في الإنسان، ومعنى " تداعى المعاني " أن الإنسان يستقبل معنى من المعاني فيشير ذلك المعنى إلى معان خبيئة يستدعيها لتحضر في الذهن، فمثلاً حين ترى إنساناً تعرفه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10