الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

أي أنهم يلوون ألسنتهم بالكلام الصادر من الله ليحرفوه عن معانيه، أو يَلْوُون ألسنتهم عندما يريدون التعبير عن المعاني. و " اللي " هو الفتل، فنحن عندما نفتل حبلاً، نحاول أن نجدل بين فرعين اثنين من الخيوط، ثم نفتلهم معاً لنصنع حبلاً، والهدف من الفتل هو أن نضع قوة من شعيرات الخيوط، فهذه الشعيرات لها قوة محدودة، وعندما نفتل هذه الخيوط فإننا نزيد من قوة الخيوط بجدلها معاً. إذن فالفتل المراد به الوصول إلى قوة، وهكذا نرى أنهم يلوون ألسنتهم بكلام يدعون أنه من المنهج المنزل من عند الله، وهذا الكلام ليس من المنهج ولم ينزل من عند الله إنّهم يفعلون ذلك لتقوية مركزهم والتنقيص من مكانة الإسلام والطعن في الرسول كما قالوا من قبل: " راعنا " ، لذلك قال الحق مخاطباً المؤمنين:يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ ٱنْظُرْنَا وَٱسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [البقرة: 104]. إن الحق يوضح لنا ألا نعطي لهم فرصة لتحريف كلام الله، فهو سبحانه القائل:مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء: 46]. لقد فضحهم - الحق سبحانه - لنا، وهم يحرفون الكلام عن موضعه، فقد قال الحق هذا القول بمعنى: أن الذي تسمعه لا يضرك لقد سجل الله عليهم أنهم قالوا سمعنا وعصينا كما قاموا بتحريف الكلمة وقالوا: " اسمع غير مسمع " أي " لا سمعت أبداً " ، تماماً كما أخذوا من قبل قول الله:وَقُولُواْ حِطَّةٌ.. } [الأعراف: 161]. وحرفوا هذا القول: " وقولوا حطة " ، وهم قد فعلوا ذلك حتى نحسب هذا التحريف من الكتاب، وما هو من الكتاب، أي أنهم يفتلون بعضاً من المعاني المستنبطة من الكلمات حتى يوهموا المؤمنين بأن هذه المعاني غير المرادة وغير الصحيحة هي معان مرادة لله، وصحيحة المعنى، إنهم يدعون على المنهج المنزل من السماء ما ليس فيه، ولذلك قال سبحانه: { لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ } [آل عمران: 78] إنهم عندما يلوون ألسنتهم بالكتاب يحرفونه رغبة في التلبيس والتدليس عليكم لتظنوا أنه من الكتاب المنزل من عند الله على رسولهم، إنهم لو فعلوا ذلك فحسب لجاز أن يتوبوا ويرجعوا إلى ربهم ويندموا على ما فعلوا. أما قولهم بعد ذلك: { هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ } [آل عمران: 78] فهو دليل على أنهم أحدثوا في الكتاب شيئاً وأصروا عليه فجاءوا بقولهم: { هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ } [آل عمران: 78] لينفوا عن أنفسهم شبهة أن يُدعى عليهم أنهم حرفوا الكتاب، ولو لم يكونوا قد حرفوا الكتاب أكانت تخطر ببالهم، هذه؟ إن أمرهم جاء من باب يكاد المريب أن يقول خذوني إنهم بهذا القول يحتالون على إخفاء أمر حدث منهم.

السابقالتالي
2 3