الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

إذن فبعدما صورنا في الأرحام كيف يشاء على مُقتضى حكمته لن يترك الصور بدون منهج للقيم، بل صنع منهج القيم بأن أنزل القرآن وفيه منهج القيم، ولابد أن نأخذ الشيء بجوار الحكمة منه، وإذا أخذنا الشيء بجوار الحكمة منه يوجد كل أمر مستقيماً كله جميل وكله خير. فيقول سبحانه: { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } [آل عمران: 7]. ماذا يعني الحق بقول: { آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } [آل عمران: 7]؟ إن الشيء المحكم هو الذي لا يتسرب إليه خلل ولا فساد في الفهم لأنه محكم، وهذه الآيات المحكمة هي النصوص التي لا يختلف فيها الناس، فعندما يقول:وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا.. } [المائدة: 38]. هذه آية تتضمن حُكما واضحاً. وهو سبحانه يقول:ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا.. } [النور: 2]. هذه أيضاً أمور واضحة، هذا هو المُحكَم من الآيات، فالمُحكَم هو ما لا تختلف فيه الأفهام لأن النص فيه واضح وصريح لا يحتمل سواه، و " المُتشَابِه " هو الذي نتعب في فهم المراد منه، وما دمنا سنتعب في فهم المراد منه فلماذا أنزله؟ ويوضح لنا سبحانه - كما قلت لك - خذ الشيء مع حكمته كي تعرف لماذا نزل؟ فالمُحْكم جاء للأحكام المطلوبة من الخلق، أي افعل كذا، ولا تفعل كذا، وما دامت أفعالاً مطلوبة من الخلق فالذي فعلها يُثاب عليها، والذي لم يفعلها يُعاقب، إذن فسيترتب عليها ثواب وعقاب، فيأتي بها صورة واضحة، وإلا لقال واحد: " أنا لم أفهم " ، إن الأحكام تقول لك: " افعل كذا ولا تفعل كذا " فهي حين تقول: " افعل " أنت صالح ألا تفعل، فلو كنت مخلوقاً على أنك تفعل فقط لا يقول لك: افعل، لكن لأنك صالح أن تفعل وألا تفعل فهو يقول لك: " افعل ". وساعة يقول لك: " لا تفعل " ، فأنت صالح أن تفعل، فلا يقال: " افعل ولا تفعل " إلاّ لأنه خلق فيك صلاحية أن تفعل أو لا تفعل، ونلحظ أنه حين يقول لي: افعل كذا ولا تفعل كذا يريد أن أقف أمام شهوة نفسي في الفعل والترك، ولذلك يقول الحق في الصلاة:وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَاشِعِينَ } [البقرة: 45]. فعندما يقول لي: " افعل ولا تفعل " معناها: أن فيه أشياء تكون ثقيلة أن أفعلها، وأنّ شيئاً ثقيلاً عليَّ أن أتركه، فمثلاً البصر خلقه الله صالحاً لأن يرى كل ما في حيَّزه. على حسب قانون الضوء، والحق يقول له:قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [يونس: 101]. ولكن عند المرأة التي لا يحل لك النظر إليها يقول الحق: اغضض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9