الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

ويأتي القول الفصل في: { وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ } [آل عمران: 4]. هنا الجمع بين " نزل " و " أنزل ". وساعة يقول الحق عن القرآن:مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } [آل عمران: 3] فمعنى ذلك أن القرآن يوضح المتجه إنه مصدق لما قبله ولما سبقه، إنه مصدق للقضايا العقدية الإيمانية التي لا يختلف فيها دين عن دين لأن الديانات إن اختلفت فإنما تختلف في بعض الأحكام، فهناك حكم يناسب زمناً وحكم آخر لا يناسب ذلك الزمن. أما العقائد فهي لا تتغير ولا تتبدل، وكذلك الأخبار وتاريخ الرسل، فليس في تلك الأمور تغيير. ومعنى " مصدق " أي أن يطابق الخبر الواقع، وهذا ما نسميه " الصدق ". وإن لم يطابق الخبر الواقع فإننا نسميه " كذباً ". إذن، فالواقع هو الذي يحكم. ولذلك قلنا من قبل: إن الصادق هو الذي لا تختلف روايته للأحداث لأنه يستوحي واقعاً، وكلما روى الحادثة فإنه يرويها نفسها بكلماتها وتفاصيلها، أما الكاذب فلا يوجد له واقع يحكي عنه، لذلك يُنشئ في كل حديث واقعاً جديداً، ولذلك يقول الناس: " إن كنت كذوباً فكن ذكوراً ". أي إن كنت تكذب - والعياذ بالله - فتذكر ما قلت حتى لا تناقضه بعد ذلك. فالصادق هو من يستقرئ الواقع، وما دام يروي عن صدق فهو يروي عن أمر ثابت لا تلويه الأهواء، فلا يحكي مرة بهوى، ومرة بهوى آخر. وما دام الخبر صادقاً فإنه يصبح حقاً لأن الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير وسبحانه يقول هنا: { نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ * مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ } [آل عمران: 3-4]. وقد تكلمنا من قبل عن التوراة، وقلنا: إن بعضاً من العلماء حين يتعرض للفظ من الألفاظ فهو يحاول أن يجعله من اللغة العربية، ويحاول أن يعثر له على وزن من الأوزان العربية، وأن يأتي له بصفة من الصفات العربية، فقال بعضهم من التوراة: إنها من " الوَرْى " - بسكون الراء - وكان الناس قديماً يشعلون النار بضرب عود في عود آخر، ويقولون: " الزَّند قد ورى " ، أي قد خرجت ناره. وقال بعض العلماء أيضاً: إن الإنجيل من " النجْل " ، وهو الزيادة. وأقول لهؤلاء العلماء: لقد نظرتم إلى هذه الألفاظ على أنها ألفاظ عربية، لكن التوراة لفظ عبري، والإنجيل لفظ سرياني أو لفظ يوناني، وصارت تلك الكلمات علماً على تلك الكتب وجاءت إلى لغتنا. ولا تظنوا أن القرآن ما دام قد نزل عربياً فكل ألفاظه عربية، لا. صحيح أن القرآن عربي، وصحيح أيضاً أنه قد جاء وهذه الألفاظ دائرة على لسان العرب، وإذا تم النطق بها يُفهم معناها.

السابقالتالي
2 3