الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ }

لقد جاء هذا القول منها، لأنها كانت قد قالت إنها نذرت ما في بطنها محرراً لخدمة البيت، وقولها: " محرراً " تعني أنها أرادت ذكراً لخدمة البيت، لكن المولود جاء أنثى. فكأنها قد قالت: ان لم أُمَكّنْ من الوفاء بالنذر، فلأن قدرك سبق، لقد جاءت المولودة أنثى. لكن الحق يقول بعد ذلك: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } [آل عمران: 36]. وهذا يعني أنها لا تريد إخبار الله، ولكنها تريد أن تظهر التحسر، لأن الغاية من نذرها لم تتحقق وبعد ذلك يقول الحق: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } [آل عمران: 36]. فهل هذا من كلامها، أم من كلام الله؟ قد قالت: { إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } [آل عمران: 36] وقال الله: { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } [آل عمران: 36]. إن الحق يقول لها: لا تظني أن الذكر الذي كنت تتمنينه سيصل إلى مرتبة هذه الأنثى، إن هذه الأنثى لها شأن عظيم. أو أن القول من تمام كلامها: { إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ } [آل عمران: 36] ويكون قول الحق: { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ } [آل عمران: 36] هو جملة اعتراضية ويكون تمام كلامها { وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ } [آل عمران: 36]. أي أنها قالت: يا رب إن الذكر ليس كالأنثى، إنها لا تصلح لخدمة البيت. وليأخذ المؤمن المعنى الذي يحبه، وسنجد أن المعنى الأول فيه إشراق أكثر، إنه تصور أن الحق قد قال: أنت تريدين ذكراً بمفهومك في الوفاء بالنذر، وليكون في خدمة البيت، ولقد وهبت لك المولود أنثى، ولكني سأعطي فيها آية أكبر من خدمة البيت، وأنا أريد بالآية التي سأعطيها لهذه الأنثى مساندة عقائد، لا مجرد خدمة رقعة تقام فيها شعائر. إنني سأجعل من هذه الآية مواصلة لمسيرة العقائد في الدنيا إلى أن تقوم الساعة. ولأنني أنا الخالق، سأوجد في هذه الأنثى آية لا توجد في غيرها، وهي آية تثبت طلاقة قدرة الحق، ولقد قلت من قبل: إن طلاقة القدرة تختلف عن القدرة العادية، إن القدرة تخلق بأسباب، ولكن من أين الأسباب؟ إن الحق هو خالق الأسباب أيضاً. إذن فما دام الخالق للأسباب أراد خلقاً بالأسباب فهذه إرادته. ولذلك أعطانا الحق القدرة على رؤية طلاقة قدرته لأنها عقائد إيمانية، يجب أن تظل في بؤرة الشعور الإيماني، وعلى بال المؤمن دائماً. لقد خلق الله بعضاً من الخلق بالأسباب كما خلقنا نحن، وجمهرة الخلق عن طريق التناسل بين أب وأم، أما خلق الحق لآدم عليه السلام فقد خلقه بلا أسباب. ونحن نعلم أن الشيء الدائر بين اثنين له قسمة عقلية ومنطقية، فما دام هناك أب وأم، ذكر وأنثى، فسيجيء منهما تكاثر.. إن الحق يقول:وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

السابقالتالي
2 3