الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ولنا أن نعرف أن كل " قل " إنما جاءت في القرآن كدليل على أن ما سيأتي من بعدها هو بلاغ من الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، بلاغ للأمر وللمأمور به، إن البعض ممن في قلوبهم زيغ يقولون: كان من الممكن أن يقول الرسول: { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31] لهؤلاء نقول: لو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لكان قد أدى " المأمور به " ولم يؤد الأمر بتمامه. لماذا؟ لأن الأمر في " قل ".. والمأمور به { إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ } [آل عمران: 31] وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم في كل بلاغ عن الله بدأ بـ " قل " إنما يبلغ " الأمر " ويبلغ " المأمور به " مما يدل على أنه مبلغ عن الله في كل ما بلغه من الله. إن الذين يقولون: يجب أن تحذف " قل " من القرآن، وبدلاً من أن نقول:قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [الإخلاص: 1] فلننطقها: " الله أحد ". لهؤلاء نقول: إنكم تريدون أن يكون الرسول قد أدى " المأمور به " ولم يؤد " الأمر ". إن الحق يقول: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31] هذه الآية تدل على ماذا؟ إنهم لا بد قد ادعوا أنهم يحبون الله، ولكنهم لم يتبعوا الله فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهم جعلوا الحب لله شيئاً، واتباع التكليف شيئاً آخر، والله سبحانه وتعالى له على خلقه إيجاد، وإمداد، وتلك نعمة، ولله على خلقه فضل التكليف لأن التكليف إن عاد على المُكَلَّف " بفتح اللام وتشديدها " ولم يعد منه شيء على المُكَلِّف " بكسر اللام وتشديدها " فهذه نعمة من المكلِّف. إن الحق سبحانه لا يحتاج إلى أحد ولا من أحد. إن الحق سبحانه عندما كلفنا إنما يريد لنا أن نتبع قانون صيانة حياة الإنسان. وقد ضربنا المثل - ولله المثل الأعلى، بالآلة المصنوعة بأيدي البشر، إن المهندس الذي صممها يضع لها قانون صيانة ما، ويضع قائمة تعليمات عن كيفية استعمالها وهي تتلخص في " افعل كذا " و " لا تفعل كذا " ، ويختار لهذه الآلة مكاناً محدداً، وأسلوباً منظماً للاستخدام. إذن فوضع قائمة بالقوانين الخاصة بصيانه واستعمال آلة ما وطبعها في كراسة صغيرة، هي لفائدة المنتفع بالصنعة. هذا في مجال الصنعة البشرية، فما بالنا بصنعة الله عز وجل؟ إن لله إيجاداً للإنسان، ولله إمداداً للإنسان، ولله تكليفاً للإنسان، والحق قد جعل التكليف في خدمة الإيجاد والإمداد.

السابقالتالي
2 3 4