الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ }

ونعرف أننا ساعة نسمع قول الحق: { أَلَمْ تَرَ } [آل عمران: 23] فهنا همزة استفهام، وهنا أداة نفي هي " لم " ، وهنا " تر " ومعناها أن يستخدم الإنسان آلة الإبصار وهي العين. فإذا ما قال الله لرسوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُمْ مُّعْرِضُونَ } [آل عمران: 23]. إن هذه دعوة لأمر واضح. لكن في بعض الأحيان تأتي { أَلَمْ تَرَ } [آل عمران: 23] في حادث كان زمانه قبل بعثته صلى الله عليه وسلم فلم يره رسول الله كقول الحق:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [الفيل: 1]. إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير أصحاب الفيل، إذن فساعة تسمع { أَلَمْ تَرَ } [آل عمران: 23]، إن كان حدثها من المعاصر، فمن الممكن أن تكون رؤية، والرؤية تؤدي إلى علم يقين، لأنها رؤية لمشهود وإن جاءت { أَلَمْ تَرَ } [آل عمران: 23] في أمر قد حدث من قبل، أو أمر لما يحدث بعد فهي تعني " ألم تعلم " لأن الرؤية سيدة الأدلة، فكأن الله سبحانه وتعالى ساعة يقول لرسوله في حدث لم يشهده الرسول: ألم تر؟ فهذا معناه: ألم تعلم؟ وقد يقول قائل: ولماذا لم يأت بـ " تعلم " وجاء بـ تر؟ لأن سيادة الأدلة هو الدليل المرئي، فكأن الله يريد أن يخبرنا بـ { أَلَمْ تَرَ } [آل عمران: 23] أن نأخذ المعلومة من الله على أنها مرئية، وليكن ربك أوثق عندك من عينك، إنك قد لا ترى بالفعل هذا الأمر الذي يخبرك به الله، ولكن لأن القائل هو الله، ولا توجد قدرة تُخرج ما يقوله الله على غير ما يقوله الله. لذلك فقد قلنا ساعة يعبر الله عن الأمر المستقبل الذي سيأتي بعد، فإنه قد يعبر عنه بالماضي، فالحق قد قال:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [النحل: 1]. فهل ينسجم قوله: " أتى أمر الله " مع " فلا تستعجلوه "؟ إن الأمر الذي يخبرنا به الله قد أتى، فكيف يمكن عدم استعجاله؟ إن " أتى " معناها أن الأمر قد حصل قبل أن يتكلم. يجب علينا إذن أن نعرف أن الذي قال: " أتى " قادر على الإتيان به، فكأنه أمر واقع، إنها مسألة لا تحتاج إلى جدال لأنه لا توجد قوة تستطيع أن تنازع الله لتبرز أمراً أراده في غير مراده. فكأن قوله الحق: { أَلَمْ تَرَ } [آل عمران: 23] إن كانت تحكي عن حدث فات زمنه فالذي يأتي منها هو العلم، لأنه إخبار الله، وإن كانت تحكي عن حدث معاصر فالذي يأتي منه أيضاً هو العلم لأنه صادر عن رؤية ومشاهدة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7