الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

وقلنا إن الحق حين يقول: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [آل عمران: 21] هم الذين يكفرون بآيات الله على إطلاقها، وهناك فرق بين الكفر بآيات الله وبين الكفر بالله. لماذا؟ لأن الإيمان بالله يتطلب البينات التي تدل على الله، والبينات الدالة على وجود الله موجودة في الكون. إذن فالبينات واضحة، إن الذي يكفر بالله يكون قبل ذلك كافراً بالأدلة التي تدل على وجود الخالق. إن الحق لم يقل هنا: إن الذين يكفرون بالله، وذلك حتى يوضح لنا أنّ الحق غيب، ولكن الآيات البينات ظاهرة في الكون، لذلك قال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّين } [آل عمران: 21]. ولنا أن نلاحظ هنا، أن كلمة القتل تأتي دائماً للنبيين، أي أنها لا تأتي للذين أخذوا صفة تزيد على مهمة النبي، وهو الرسول، فليس من المعقول أن يرسل الله رسولاً ليبلغ منهجاً لله، فيُقدر الله خلقه على أن يقتلوا الرسول. لكن الأنبياء يرسلهم الله ليكونوا أسوة سلوكية للمؤمنين، ولا يأتي الواحد منهم بتشريعات جديدة، أما الرسول فإن الله يبعثه حاملاً لمنهج من الله. وليس من المعقول أن يصطفي الله عبداً من عباده ويستخلصه ليبلغ منهجه، ويُمَكّن الله بعد ذلك بعضاً من خلقه أن يقتلوا هذا الرسول. إن الخلق لا يقدرون على رسول أرسله الله، لكنهم قد يقدرون على الأنبياء، وكل واحد من الأنبياء هو أسوة سلوكية، ولذلك نجد ان كل نبيّ يتعبد على دين الرسول السابق عليه، فلماذا يقتل الخلق الأسوة السلوكية ما دام النبيّ من هؤلاء قد جاء ليكون مجرد أسوة، ولم يأت بدين جديد؟ فلو كان النبي من هؤلاء قد جاء بدين جديد، لقلنا: إن التعصب للدين السابق عليه هو الذي جعلهم يقتلونه، لكن النبيّ أسوة في السلوك، فلماذا القتل؟ إن النبي من هؤلاء يؤدي من العبادة ما يجعل القوم ينتبهون إلى أن السلوك الذي يفعله النبيّ لا يأتي وفق أهوائهم. إن القوم الذين يقتلون النبيين هم القوم الذين لا يوافقون على أن يسلكوا السلوك الإسلامي الذي يعني إخضاع الجوارح، والحركة لمنطق الدين ولمنطق الإسلام، لماذا؟ لأن النبيّ وهو ملتزم بشرع الرسول السابق عليه، حينما يلتزم بدين الله بين جماعة من الملتزمين يكون سلوكه قد طعن غير الملتزمين. إن وجود النبيّ الذي يتمسك بشرع الله، ويخضع جوارحه، وسلوكه لمنهج الله بين جماعة تدّعي أنها تدين بدين الله، ولكنها لا تتمسك بمنهج الله تحملهم إلى أن يقولوا: لماذا يفعل النبي هذا السلوك القويم، ولماذا يخضع جوارحه لمنطق الإيمان، ونحن غير ملتزمين مثله؟ وهذا السؤال يثير الغيظ والحقد على النبيّ بين هذه الجماعة غير الملتزمة بدين الله، وإن أعْلنت في ظاهر الأمر التزامها بالدين.

السابقالتالي
2 3 4 5