الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَٰغُ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }

{ فَإنْ حَآجُّوكَ } [آل عمران: 20] هذا القول يدل على أن الحق سبحانه وتعالى يلقي منهجه على الرسول الخاتم، ويعطيه الواقع الذي يحيا فيه، لقد جابه الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة معسكرات. المعسكر الأول: هم مشركو قريش، وكان كفرهم في القمة. والمعسكر الثاني: هو معسكر اليهود والنصارى ويجمعهم معا لأنهم أهل كتاب. والمعسكر الثالث: هو معسكر المنافقين. والمحاجّة قد أتت من المعسكر الثاني، لأن كفار قريش لم يدعوا أن عندهم ديناً قد نزل من السماء، أما أهل الكتاب فهم يدعون أن عندهم ديناً منزلاً من السماء، وعندما يناطح الشرك ديناً فهذا أمر معقول، أما أن يناطح أهل دين نزل من السماء رسولاً جاء بدين خاتم من السماء فهذا أمر يستحق أن نتوقف عنده. ومعنى { فَإنْ حَآجُّوكَ } [آل عمران: 20] أي أنهم يحاججون الرسول صلى الله عليه وسلم وتم إدغام الحرفين المتشابهين وهما حرفا " الجيم " حتى لا تصبح ثقيلة على اللسان. ومعنى المحاجة: أن يدلي كل واحد من الخصمين بحجته. وهذا يعني النقاش، وما دام هناك نقاش بين حق وبين باطل، فإن الله لا يترك الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يقول له: { فَإنْ حَآجُّوكَ } [آل عمران: 20] أي إن ناقشوك في أمر الإسلام الذي جئت به كدين خاتم مناقض لوثنية أو شرك قريش ومناقض لما قام أهل الكتاب بتغييره من مراد الله فقل يا محمد: { أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } [آل عمران: 20] وقد قلنا من قبل: إننا عندما نسمع قول الحق " فقل " كان من الجائز أن يكتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقول القول وضربنا مثلاً على ذلك، حين يقول الأب لابنه: اذهب إلى عمك وقل له: كذا وكذا. وساعة أن يذهب الابن إلى العم فيقول له: الأمر كذا، وكذا. إن الابن لا يقول لعمه: قل لعمك كذا وكذا.. لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حافظ على النص الذي جاءه من ربه لأن النص واضح. { فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } [آل عمران: 20] فهل هذا رد بالحجة؟ نعم هذا هو الرد، لأن أهل الكتاب وكفار قريش يأتي فيهم القول:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 9]. ويأتي فيهم القول الحكيم:وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } [الزخرف: 87]. والكون كما نعرف " مكان " و " مكين " فالمكان: هو السماء والأرض. والمكين وهو الإنسان. والمكان مخلوق لله، والمكين مخلوق لله. وكان المنطق أن نسلم وجهنا لمن خلق. إذن فقول الحق: { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للَّهِ } [آل عمران: 20] أي انتبهوا أيها الناس، إنني لم أخرج عن دائرة الإيمان بالإله الواحد، الذي تؤمنون به.

السابقالتالي
2 3 4 5