الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ }

تلك هي قضية القمة، ولذلك يتكرر في القرآن التأكيد على هذه القضية، { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 2]. و " الله " كما يقولون مبتدأ، و " لا إله إلا هو " خبر، والمبتدأ لابد أن يكون متضحاً في الذهن، فكأن كلمة " الله " متضحة في الذهن، ولكنه يريد أن يعطي لفظ " الله " الوصف الذي يليق به وهو " لا إله إلا هو ". ولذلك يقول الحق:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } [العنكبوت: 61]. إذن فالله متضح في أذهانهم، ولكن السلطات الزمنية أرادت أن تطمس هذا الإيضاح، فجاء القرآن ليزيل ويمحو هذا الطمس مؤكداً { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 2] فهذه قضية أطلقها الحق شهادة منه لنفسه:شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 18]. وكفى بالله شهيداً لأنها شهادة الذات للذات، وشهدت الملائكة شهادة المشهد فلم يروا أحداً آخر إلا هو، وكذلك، شهد أولو العلم الذين يأخذون من الأدلة في الكون ما يثبت صدق الملائكة ويؤكد صدق الله، فإذا ما نظرنا نظرة أخرى نقول: إن الحق أطلقها على نفسه وقال: { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 2] وجعلها كلمة التوحيد وجعل الأمر في غاية اليسر والسهولة والبساطة فلم يشأ الله أن يجعل دليل الإيمان بالقوة العليا دليلاً معقداً، أو دليلاً فلسفياً، أو لا يستطيع أحد أن يصل إليه إلا أهل الثقافة العالية، لا، إن الدين مطلب للجميع من راعي الشاة إلى الفيلسوف إنه مطلوب للذي يكنس في الشارع كما هو مطلوب من الأستاذ الجامعي. فيجب أن تكون قضية الإيمان في مستوى هذه العقول جميعاً فلا فلسفة في هذه المسألة، لذلك شاء الحق أن يجعل هذه المسألة في منتهى البساطة فأوضح الله: أنا شهدت ألا إله إلا أنا، فإما أن يكون الأمر صدقاً وبذلك تنتهي المشكلة، وليس من حق أحد الاعتراض، وإن لم تكن صدقاً فقولوا لنا: أين الإله الآخر الذي سمع التحدي، وأخذ الله منه ذلك الكون، وقال: أنا وحدي في الكون، وأنا الذي خلقت، ثم لم نسمع رداً عليه ولا عن معارض له، ألم يدر ذلك الإله الآخر؟ إذن فذلك الآخر لا ينفع أن يكون إلهاً، فإن علم ذلك الآخر ولم يدافع عن نفسه وملكيته للكون فإنه لا يصلح أن يكون إلهاً. وتصبح القضية لله إلى أن يظهر مدع ليناقضها، فـ { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [آل عمران: 2] كلمة حق، وبالعقل والمنطق هو إله ولم نجد معارضاً. وقلنا سابقاً: إن الدعوى حين تُدعى ولا يوجد معارض حين نَسمعها تكون لصاحبها إلى أن يوجد المعارض.

السابقالتالي
2 3