الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلأَبْرَارِ }

فكأن الإنسان بقلبه وفكره قبل أن يجيء له الرسول يجب أن يتنبه إلى ما في الكون من آيات، وعليه أن يستشرف أن وراء الكون قوة، ولكن هذه القوة مبهمة في ذهنه. ما هي؟ إنه يرى الكون العجيب فيقول لنفسه: من المستحيل أن يكون هذا الكون بلا خالق. إن وراءه قوة لها حكمة ولها قدرة. هذا قصارى ما يصل إليه العقل ولكن أيستطيع العقل أن يدرك أن القوة اسمها الله؟ أيستطيع العقل أن يدرك ماذا تطلب القوة منه؟ لا، إذن لابد من رسول يبلغ عن تلك القوة. ولذلك قلنا: إن تلك هي الزلة التي وقع فيها الفلاسفة لأن الفلاسفة هم الذين بحثوا وراء المادة. ونحن نعلم أن العلم ينقسم إلى قسمين، قسم مادي قائم على التجربة، وقسم ميتافيزيقى يبحث فيما وراء المادة. وهذا العلم متاهة الفلاسفة، وهو المضلة التي لم تلتق فيها مدرسة بمدرسة، ولا تلميذ في مدرسة مع تلميذ آخر في مدرسة. لماذا لم يلتقوا؟ لأنهم يبحثون وراء المادة. وما وراء المادة غيب. والغيب لا يدخل المعمل. لكن المادة تدخل المعمل. والمعمل عندما يعطي نتائج تحليلات لا يجامل في هذه النتائج. فالذي يدخل التجربة العلمية في المعمل بنزاهة فالمعمل يعطيه. والذي يدخل بغير نزاهة لا تعطيه المعامل شيئاً. ولذلك نقول دائماً: إننا لا نجد في العلوم المادية فارقاً بين علم شيوعي روسي، وعلم أمريكي رأسمالي، فلا توجد كيمياء رأسمالية أو كيمياء شيوعية ولا توجد كهرباء روسية وأخرى أمريكية. إنها كيمياء واحدة، وكهرباء واحدة لأنها ابنة المعمل وبنت التجربة المادية. ومن العجيب الذي لا يفطن له الخلق المغرورون من هؤلاء أننا نجد العلم المادي ابن التجربة والمعمل والمادة الصماء التي لا تجامل يحاول كل معسكر أن يسرقه من غيره، ونجد الجواسيس يسافرون من معسكر إلى معسكر ليسرقوا تصميمات الطائرات والصواريخ. وأن بعضهم يتلصص على بعض حتى يعرفوا العلم المادي. لكن ماذا عن علم الأهواء والنظريات؟ إننا نجد أن كل طرف يقيم جداراً حتى لا يخترق علم الأهواء المجتمع. هم يقيمون الحواجز في الأهواء ولكن في العلم المادي يتحولون إلى لصوص. فلماذا لا يأخذون الأهواء مع العلم المادي؟ إن كل معسكر حريص على العداء مع مذاهب الغير في الحكم والاجتماع والاقتصاد. لكنهم في العلم المادي يسرق بعضهم بعضاً لأن المذاهب النظرية تتبع الأهواء، لكن العلم المادي - كما قلنا - يتبع الحقيقة المعملية التي لا تجامل. إذن فساعة يفكر الإنسان بعقله لابد أن يقول: إن وراء خلق الكون قوة خارقة. وقد عرفها العربي بفطرته فقال: البعرة تدل على البعير والقدم تدل على المسير، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير؟!! إنه دليل فطري، يدلك على وجود القوة، لكن ما اسم هذه القوة؟ لا نعرف.

السابقالتالي
2 3