الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

والبلاء في المال بماذا؟ بأن تأتي آفة تأكله، وإن وجد يكون فيه بلاء من لون آخر، وهي اختبارك هل تنفق هذا المال في مصارف الخير أو لا تعطيه لمحتاج، فمرة يكون الابتلاء في المال بالإفناء، ومرة في وجود المال ومراقبة كيفية تصرفك فيه، والحق في هذه الآية قدم المال على النفس لأن البلاء في النفس يكون بالقتل، أو بالجرح أو بالمرض. فإن كان القتل فليس كل واحد سيقتل، إنما كل واحد سيأتيه بلاء في ماله. { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } [آل عمران: 186] هما إذن معسكران للكفر: معسكر أهل الكتاب، ومعسكر المشركين. هذان المعسكران هما اللذان كانا يعاندان الإسلام، والأذى الكثير تمثل في محاولة إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأذى الاستهزاء بالمؤمنين، وأهل الكفر والشرك يقولون للمؤمنين ما يكرهون، فوطّنوا العزم أيها المسلمون أن تستقبلوا ذلك منهم ومن ابتلاءات السماء بالقبول والرضا. ويخطئ الناس ويظنون أن الابتلاء في ذاته شرّ، لا. إن الإبتلاء مجرد اختبار، والاختبار عرضة أن تنجح فيه وأن ترسب، فإذا قال الله: " لتبلون " ، أي سأختبركم - ولله المثل الأعلى - كما يقول المدرس للتلميذ: سأمتحنك " فنبتليك " يعني نختبرك في الامتحان، فهل معنى ذلك أن الابتلاء شرّ أو خير؟. إنه شرّ على من لم يتقن التصرف. فالذي ينجح في البلاء في المال يقول: كله فائت، وقلل الله مسئوليتي، لأنه قد يكون عندي مال ولا أُحسن أداءه في مواقعه الشرعية، فيكون المال عليّ فتنة. فالله قد أخذ مني المال كي لا يدخلني النار، ولذلك قال في سورة " الفجر ":فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ * وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } [الفجر: 15-16]. فهنا قضيتان اثنتان: الإنسان يأتيه المال فيقول: ربي أكرمني، وهذا أفضل ممن جاء فيه قول الحق:قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً.. } [القصص: 78]. إذن فالذي نظر إلى المال وظن أنّ الغني إكرام، ونظر إلى الفقر والتضييق وظن أنه إهانه، هذا الإنسان لا يفطن إلى الحقيقة، والحقيقة يقولها الحق: " كلا " أي أن هذا الظن غير صادق فلا المال دليل الكرامة، ولا الفقر دليل الإهانة، ولكن متى يكون المال دليل الكرامة؟ يكون المال دليل كرامة إن جاءك وكنت موفقاً في أن تؤدي مطلوب المال عندك للمحتاج إليه، وإن لم تؤد حق الله فالمال مذلة لك وإهانة، فقد أكون غنياً لا أعطي الحق، فالفقر في هذه الحالة أفضل، ولذلك قال الله للاثنين: " كلا " ، وذلك يعني: لا إعطاء المال دليل الكرامة ولا الفقر دليل الإهانة.

السابقالتالي
2 3