الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ }

ولاحظ أن كلمة " ذائقة " جاءت أيضاً هنا، ونعرف أن هناك " قتلاً " وهناك " موتاً " ، فالموت معناه أعم وهو: انتهاء الحياة سواء أكان بنقض البنية مثل القتل، أم بغير نقض البنية مثل خروج الروح وزهوقها حتف الأنف، ولذلك فالعلماء الذين يدققون في الألفاظ يقولون: هذا المقتول لو لم يُقتل، أكان يموت؟ نقول: نعم لأن المقتول ميت بأجله، لكن الذي قتله هل كان يعرف ميعاد الأجل؟ لا. إذن فهو يُعاقب على ارتكابه جريمة إزهاق الروح، أمّا المقتول فقد كتب الله عليه أن يفارق الحياة بهذا العمل. إذن فكل نفس ذائقة الموت إما حتف الأنف وإمّا بالقتل. ولأن الغالب في المقتولين أنهم شهداء، والشهداء أحياء، لكن الكل سيموت. يقول تعالى:وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ.. } [الزمر: 68]. انظروا إلى دقة العبارة: { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [آل عمران: 185] أي إياكم أن تنتظروا نتيجة إيمانكم في هذه الدنيا، لأنكم إن كنتم ستأخذون على إيمانكم ثواباً في الدنيا فهذا زمن زائل ينتهي، فثوابكم على الإيمان لابد أن يكون في الآخرة لكي يكون ثواباً لا ينتهي. ونعرف ما حدث في بيعة العقبة الثانية حينما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار عهوداً، قالوا: فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ لم يقل لهم صلى الله عليه وسلم ستنتصرون أو ستملكون الدنيا، بل قال: " الجنة " قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه، فلو وعدهم بأي شيء في الدنيا لقال له أي واحد فطن منهم: ما أهونها، ولذلك عندما قال واحد لصاحبه: أنا أُحبك قدر الدنيا فقال له: وهل أنا تافه عندك لهذه الدرجة؟ فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: إياكم أن تفهموا أن جزاء الإيمان يكون في الدنيا، لأنه لو كان في الدنيا لكان زائلاً ولكان قليلاً كجزاء على الإيمان، لأن الإيمان وصل بغير منتهٍ وهو الله، فلا بد أن يكون الجزاء غير منتهٍ وهو الجنة، فقال: { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ } [آل عمران: 185].. وأخذ أهل اللمح من كلمة " توفون " أن هناك مقدمات لأن معنى " وفيته أجره " أي أعطيته وبقي له حاجة وأكمل له، نعم هو سبحانه يعطيهم حاجات إيمان، ويكفي إشراقة الإيمان في نفس المؤمن، فالجواب لابد أن يكون متمشياً مع منطق من يسمع هذه الآية فقد يموت من يسمعها بعد قليل في معركة، وما دام قد مات في معركة فهو لم ير انتصاراً، ولم ير غنائم ولا أي شي، فماذا يكون نصيبه؟ إنه يأخذ نصيبه يوم القيامة " توفون " فمن نال منها شيئاً في الدنيا بالنصر، بالغنائم، بالزهو الإيماني على أنه انتصر على الكفر فهذا بعض الأجر، إنما الوفاء بكامل الأجر سيكون في الآخرة، لأن كلمة التوفية تفيد أن توفية الأجور وتكميلها يكون في يوم القيامة، وأن ما يكون قبل ذلك فهو بعض الأجور التي يستحقها العاملون.

السابقالتالي
2 3 4