الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ }

ويتسامى الحق سبحانه وتعالى بروح سيدنا رسول الله إلى مرتبة العلو الذي لا يرقى إليه بشر سواه، فيقول:قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ.. } [الأنعام: 33]. فالمسألة ليست مسألتك أنت إنهم يعرفون أنك يا محمد صادق لا تكذب أبداًوَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [الأنعام: 33]. أي هذا الأمر ليس خاصاً بك بل هو راجع إليّ فلا أحد يقول عنك إنك كذّاب هم يكذبونني، الظالمون يجحدون وينكرون آياتي فالحق سبحانه يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم هنا للتسلية ويعطيه الأسوة التي تجعله غير حزين مما يفعله اليهود والمكذبون به فيقول: { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } [آل عمران: 184]. ونعرف أن الشرط سبب في وجود جوابه. فإذا كان الجواب لم يأتِ فالشرط هو الذي يجعله يأتي، وإذا كان الجواب قد حصل قبل الشرط فما الحل؟. الحق يوضح: إن كذبوك يا محمد فقد كذبوا رسلاً من قبلك. أي أن " جواب الشرط " قد حصل هنا قبل الشرط وهذه عندما يتلقفها واحد من السطحيين أدعياء الإسلام، أو من المستشرقين الذين لا يفهمون مرامي اللغة فمن الممكن أن يقول: إن الجواب في هذه الآية قد حصل قبل الشرط. وهنا نرد عليه قائلين: أقوله تعالى: { فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ.. } [آل عمران: 184] هو جواب الشرط.. أم هو دليل الجواب؟ لقد جاء الحق بهذه الآية ليقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن كذبوك فلا تحزن، فقد سبقك أن كَذّب قوم رسلَهم، إنها علة لجواب الشرط، كأنه يقول: فإن كذبوك فلا تحزن. إذن فمعنى ذلك أن المذكور ليس هو الجواب، إنما هو الحيثية للجواب { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ } [آل عمران: 184].. إلخ. وعندما نقول: " جاءني فلان بكذا " فقد يكون هو الذي أحضره، وقد يكون هو مجرد صاحب لمن جاء به. ولنضرب هذا المثل للإيضاح - ولله المثل الأعلى - فلنفترض أن موظفاً أرسله رئيسه بمظروف إلى إنسان آخر، فالموظف هو المصاحب للمظروف. إذن فالبينات جاءت من الله، لكن هؤلاء الرسل جاءوا مصاحبين ومؤيَّدين بالبينات كي تكون حُجة لهم على صدق بلاغهم عن الله، { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ } [آل عمران: 184]. أي جاءوا بالآيات الواضحة الدلالة على المراد. والآيات قد تكون لفتاً للآيات الكونية، وقد تكون المعجزات. ونعلم أن كل رسول من الرسل الذين سبقوا سيدنا رسول الله كانت معجزتهم منفصلة عن منهجهم، فالمعجزة شيء وكتاب المنهج شيء آخر. " صحف إبراهيم " فيها المنهج لكنها ليست هي المعجزة فالمعجزة هي الإحراق بالنار والنجاة، وموسى عليه السلام معجزته العصا وتنقلب حية، وانفلاق البحر، لكن كتاب منهجه هو " التوراة " ، وعيسى عليه السلام كتاب منهجه " الإنجيل " ومعجزته العلاج وإحياء الموتى بإذن الله، إذن فقد كانت المعجزة منفصلة عن المنهج، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن معجزته هي عين منهجه، معجزته القرآن، ومنهجه القرآن، لماذا؟ لأنه جاء رسولاً يحمل المنهج المكتمل وهو القرآن الكريم، ومع ذلك فهو صلى الله عليه وسلم الرسول الخاتم، فلا بد أن تظل المعجزة مع المنهج كي تكون حُجة، إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: { جَآءُوا بِٱلْبَيِّنَاتِ } [آل عمران: 184]: أي المعجزات الدالات على صدقهم.

السابقالتالي
2