الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }

{ ذٰلِكَ } [آل عمران: 182] إشارة إلى عذاب الحريق. والحق سبحانه لم يظلمهم، لكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم. { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [آل عمران: 182] فهل معنى ذلك أن كل المعاصي من تقديم اليد؟ إن هناك معصية للعين، ومعصية للسان، ومعصية للرجل، ومعصية للقلب، ولا حصر للمعاصي. فلماذا إذن قال الحق: { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [آل عمران: 182]؟ قال الحق ذلك لأن الأعمال الظاهرة تُمارس عادة باليد فاليد هي الجارحة التي نفعل بها أكثر أمورنا، وعلى ذلك يكون قول الحق: { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } [آل عمران: 182] مقصود به: بما قدمتم بأي جارحة من الجوارح. وبعد ذلك يخبرنا سبحانه: { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [آل عمران: 182] لقد أذاقهم عذاب الحريق نتيجة ما كتبه عليهم من قول وفعل. والقول هو الافتراء باللسان حين قالوا: { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [آل عمران: 181]. والفعل هو قتلهم الأنبياء فهم يستحقون ذلك العذاب. والقضية العامة في الإله وعدالة الإله أنه ليس بظلام للعبيد. وهنا وقفة لخصوم الإسلام من المستشرقين، هم يقولون: الله يقول في قرآنكم { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [آل عمران: 182]، وكلمة " ظلام " هي مبالغة في كلمة " ظالم " ، ففيه " ظالم " وفيه " ظلاّم " ، و " الظَّلاّم " هو الذي يظلم ظلماً قوياً ومتكرراً فـ " ظلاّم " هي صيغة مبالغة في " ظالم ". وحتى نرد عليهم لابد لنا أن نعرف أن صيغ المبالغة كثيرة، فاللغويون يعرفون أنها: فعّال، فعيل، مفعال، فعول، فَعِل، فظلاَّم مثلها مثل قولنا: " أكَّال " ، ومثل قولنا: " قتَّال " بدلاً من أن نقول: " قاتل " فالقاتل يكون قد ارتكب جريمة القتل مرة واحدة، لكن الـ " قتَّال " هو من فعل الجريمة مرات كثيرة وصار القتل حرفته. ومثل ذلك " ناهب " ، ويقال لمن صار النهب حرفته: " نَهَّاب " أي أنه إن نهب ينهب كثيراً، ويعدد النهب في الناس. وهذه تسمى صيغة المبالغة. وصيغة المبالغة إن وردت في الإثبات أي في الأمر الموجب فهي تثبت الأقل، فعندما يقال: " فلان ظلاّم " فالثابت أنه ظالم أيضاً، لأننا ما دمنا قد أثبتنا المبالغة فإننا نثبت الأقل. ومثل ذلك نقول: " فلان علاَّم " أو " فلان علاَّمة " فمعنى ذلك أن فلاناً هذا عالم. ولكن إذا قلنا: " فلان عالم " فلا يثبت ذلك أنه " علاَّمة ". فصيغة المبالغة ليس معناها " اسم فاعل " فحسب، إنها أيضاً اسم فاعل مبالغ فيه، لأن الحدث يأتي منه قوياً، أو لأن الحدث متكرر منه ومتعدد.

السابقالتالي
2