الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

ولنأخذ الجملة الأولى من الآية الكريمة بمعناها: لقد شهد الله أنه لا إله إلا هو، أي أنَّ الحق قد أخبر بما رآه، وشاهده، أو ما يقوم مقام ذلك. إن " شهد " بمعنى علم. إنه الحق الذي نصب الأدلة في الوجود على قيوميته، وعلى أنه إله واحد، أليس في ذلك إقامة للحجة على أنه إله واحد؟ ومن الذي خلق الأدلة وجاء بها؟ إنه الله. إذن، فقد شهد الله أنه لا إله إلا هو. وقلنا: إن شهادة الله أنه لا إله إلا هو هي شهادة الذات للذات، وشهادة الذات للذات تعني أنها كلمة مُمَكّنٌ منها. فعندما يقول الحق:بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [البقرة: 117]. بالله لو لم يكن قد شهد لنفسه بأنه لا إله إلا هو، وليس هناك من يعارض مبتغاه، أكان يجازف فيقولها؟ إنه الحق الأعلى الذي شهد أن لا إله إلا هو، فساعة أن يقول: " كن " فإنه قد علم، أنه لا يوجد إله آخر يقول: " لا تكن ". إن الحق لا بد أن يطمئننا أنه لا إله إلا هو، لذلك فلزم أن يشهد لنفسه أنه مؤمن بأنه لا إله إلا هو ويلقي الأمر، ويلقي الحكم التسخيري، ويعلم أنه لا إله يعارضه. وأليس من مطلوبات الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشهد أنه رسول الله؟ لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في صلاته: " أشهد أن محمدا رسول الله ". ولو لم يشهد بهذه لنفسه فكيف يجازف بالأشياء التي يقولها؟ ولذلك فسيدنا أبو بكر عندما بلغه أمر بعث محمد رسولا، قال ما معناه: أقالها محمد؟ إنه صادق، وما دام قد قالها فهي حق. إن أبا بكر الصديق واثق من الرصيد الذي سبق بعث محمد بالرسالة. ونحن نرى في التاريخ امرأة كان السبب في إسلامها لمحة من سيرته صلى الله عليه وسلم. قرأت هذه المرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان له حراس من المؤمنين يقومون بحراسته من الكافرين. وبعد ذلك جاء يوم وصرف الرسول صلى الله عليه وسلم هؤلاء الحراس، وقال لهم ما معناه: إن الله عصمني من الناس فاذهبوا أنتم. وقد قرأنا هذه الواقعة كثيراً جداً، ولكن الفتح جاء من الحق لامرأة، فشغلتها هذه المسألة، وتساءلت: ألم يكن هؤلاء الحراس يحرسونه خوفاً على حياته؟ فلماذا قال لهم: " لا تحرسوني " لأن الله هو الذي يحرسني؟ فلو أن رسول الله قد غش الدنيا كلها أكان من الممكن أن يغش نفسه في حياته؟ وأجابت المرأة على نفسها: لا يمكن، لا بد أن رسول الله قد وثق تمام الثقة في أن الله قد أبلغه أمر حمايته بدليل أنه قام بصرف الحراس، وإلا فكيف يأمن أن يأتي أحد ليقتله؟ قالت المرأة: والله لو خَدع الناس جميعاً ما خَدع نفسه في حياته، أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7