الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

وعندما نسمع قول الله: " ولا يحسبن " فهو نهي، وقد نهى الله الكافرين عن ماذا؟ إن الكافر عندما يجد نفسه قد أفلت في المعركة من سيف المؤمنين وأن عمره قد طال في الكفر، فهو يظن أن الحق سبحانه وتعالى تركه لخير له لأنه يفهم أن عمره هو أثمن شيء عنده، فما دام قد حوفظ له على عمره فهو الخير. نقول لمثل هذا الكافر: إن العمر زمن، والزمن وعاء الأحداث، إذن فالزمن لذاته لا يُمَجد إلا بالحدث الذي يقع فيه، فإن كان الحدث الذي يقع في الزمن خيراً فالزمن خير. وإن كان الحدث الذي يقع في الزمن شراً، فالزمن شر، وما دام هؤلاء كافرين، فلا بد أن كل حركاتهم في الوجود والأحداث التي يقومون بها هي من جنس الشر لا من جنس الخير، لأنهم يسيرون على غير منهج الله. وربما كانوا على منهج المضادة والمضارة لمنهج الله. وذلك هو الشر. إذن فالله لا يملي لهم بقصد الخير، إنما يملي الله لهم لأنهم ما داموا على الكفر فهم يشغلون أوقات أعمارهم بأحداث شرّية تخالف منهج الله. وكل حدث شرّى له عذابه وجزاؤه. إذن فإطالة العمر لهم شر. والحق سبحانه يقول: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ } [آل عمران: 178] و " يحسَبَنَّ " هي فعل مضارع، والماضي بالنسبة له هو " حسِب " - بكسر السين - ولذلك قال الحق سبحانه في موقع آخر من القرآن الكريم:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2]. إن الماضي هو " حَسِبَ " - بكسر السين - والمضارع " يحسَب " - بفتح السين -. أما حَسَبَ " يحسِب " - بكسر السين - في المضارع وفتحها في الماضي فهي من الحساب والعدد، وهو عدد رقمي مضبوط. أمر " حَسِبَ " و " يحسَب " فتأتي بمعنى الظن، والظن كما نعرف أمر وهمي، والحق سبحانه يذكرهم أن ظنونهم بأن بقاء حياتهم هو خير لهم ليست حقاً. بل هي حدس وتخمين لا يرقى إلى اليقين. صحيح أن العمر محسوب بالسنوات لأن العمر طرف للأحداث، والعمر بذاته - مجرداً عن الأحداث - لا يقال إن إطالته خير أو شر، وإنما يقال: إن العمر خير أو شر بالأحداث التي وقعت فيه، والأحداث التي تقع من الكافر تقع على غير منهج إيماني فلا بد أن تكون شراً، حتى ولو فعل ما ظاهره أنه خير فإنه يفعله مضارة لمنهج الله. فلو كانت المسألة بالعملية الرقمية لقلنا: " حسَب " و " يحسِب " - بفتح السين في الماضي وكسر السين في المضارع - لكن هي مسألة وهمية ظنية لذلك نقول " يحسَب " - بفتح السين في المضارع - أي يظن.

السابقالتالي
2