الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

ما معنى " يغُل "؟ أولاً: " الغلول " هو الأخذ في الخفاء. وهو مأخوذ من " أغل الجازر " - أي الجزار - أي عندما يسلخ الجلد يأخذ بعض اللحم مع الجلد، ثم يطوي الجلد مخفياً ما أخذه من اللحم، هذا هو الأصل، وأطلق شرعاً على الخيانة في الغنائم، ففي هول المعارك قد يجد المقاتل شيئاً ثميناً فيأخذ هذا الشيء خفية، وهذا اسمه " الغلول " ، وأيضاً كلمة " الغِلُّ في الصدور " أي إخفاء الكراهية، وكل المادة إخفاء. والحق يقول: { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [آل عمران: 161] لماذا؟ لأن من الجائز أن الرماة - في غزوة أحد - ساعة رأوا الغنائم أقبلوا عليها لأن غنائم بدر لم تكن قد قسمت بين كل من اشتركوا في القتال، فالذي كان يعثر على غنيمة كان يأخذها، وكانت بدر أول معركة، وكان الهدف من ذلك تشجيع المقاتلين. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم: قد قال: " من قتل قتيلاً فله سلبه ". وظن المقاتلون في أحُد أن المسألة ستكون مثل بدر، وظن البعض أن الرسول لن يعطيهم غنائم، فيوضح الحق سبحانه وتعالى: بأن هذه مسألة وتلك مسألة أخرى، فمن يفعل مثل هذا يكون قد غَل. وساعة تسمع: { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [آل عمران: 161] أي أن من طبعه صلى الله عليه وسلم ومن فطرته وسجيته ألاَّ يتأتى ذلك منه أبداً، لكن من الجائز أن يحدث مثل ذلك من واحد من أمته، إذن فهناك فرق بين امتناع المؤمن أن يكون غالاً، أي يأخذ لنفسه شيئاً من الغنيمة، وامتناع الرسول أن يكون غالاً، لأن طبعه وسجيَّته لا تستقيم مع هذه، لكن الأمر يختلف مع المقاتلين فمن الممكن أن يكون أحدهم كذلك، فسيدنا عمر في معركة الفرس، حينما جاء جماعة بتاج كسرى، والتاج فيه كل النفائس وتلك سمة عظمة الملوك، فقال الفاروق عمر: إن قوماً أدوا إلى أميرهم هذا لأمناء. فقد كان من الممكن أنهم يخفونه. { وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ } [آل عمران: 161] وساعة تسمع " وما كان " أي: وما ينبغي ولا يصح أن يكون ذلك الأمر، وبعد ذلك يأتي بالحكم العام فيمكن أن يحدث غلول من أحَدٍ فيقول: { وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [آل عمران: 161] فالذي غل في حاجة وخان فيها يأتي بها يوم القيامة كما صورها الرسول صلى الله عليه وسلم: " والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حلّة إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رُغاء أو بقرة لها خُوار، أو شاة تَيعَر، ثم رفع يديه حتى رُئيَ بياض إبطيه يقول: اللهم قد بلغت ".

السابقالتالي
2