الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

الحق يقول هنا: { وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [آل عمران: 160]، المؤمنون بمن؟ بالله.. وما داموا مؤمنين به فمن إيمانهم به أنه إله قادر حكيم عالم بالمصلحة، ولا يوجد أحسن من أنك توكله. وعندما نقرأ { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [آل عمران: 160] فقد نسأل: وما هو المقابل؟ المقابل هو { وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ } [آل عمران: 160]. إذن فأنت دخلت بالأسباب التي قالها الحق سبحانه وتعالى مُؤتمراً بأمر القيادة السماوية التي مُثلت في الرسول المبلغ عن الله، وقد أخذت عُدتك على قدر استطاعتك، إياك أن تقارن عَدَدَك بعدد خصمك أو تقارن عُدتك بعُدة خصمك فالله لا يكلفك أن تقابل العدد بالعدد ولا العُدة بالعُدة، وإنما قال: أنت تُعد ما استطعته، لماذا؟ لأن الله يريد أن يصحب ركب الإيمان معونة المؤمن به لأنه لو كانت المسائل قدر بعضها، لكانت قوة لقوة. لكن الله يريد أن يكون العدد قليلاً وتكون العُدة أقل وأن نعترف ونقول: هذا ما قدرنا عليه يارب. وما دام هو الذي قدرنا عليه، فتكون هذه هي الأسباب التي مكنتنا منها، ونثق بأنك يارب ستضع مع العدد القليل مدداً من عندك، فأنت المعين الأعلى، فسبحانك القائل:ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [محمد: 11]. والحق هنا يقول: { إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } [آل عمران: 160] فأنت تضمن نصر الله لك إن كنت قد دخلت على أن تنصره. كيف نعرف أننا ننصر الله؟ نعرف ذلك عندما تأتي النتيجة بنصرنا، لأنه سبحانه لا يعطي قضية في الكون وبعد ذلك يأتي بالواقع ليكذبها، وإلا فالمسلمون يكونون قد انخدعوا - معاذ الله - لأنه لو جاء الدين بقضية ثم يأتي الواقع ليكذبها، فلا بد أن يقولوا: إن الواقع كذب تلك القضية. لكن الحق قال: { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [آل عمران: 160] ويجيء الواقع مؤكداً لهذه القضية، عندئذ نحن لا نصدق في هذه القضية فقط، بل نصدق كل ما غاب عنا، فعندما تظهر جزئية ماديَّة واقعة محسوسة لتثبت لي صدق القرآن في قضية فأنا لا أكتفي بهذه القضية، بل أقول: وكل ما لا أعلمه داخل في إطار هذه القضية. ولذلك قلنا: إن الحق سبحانه وتعالى ترك بعض أسراره في كونه، وهذه الأسرار التي تركها في كونه هي أسرار لا تؤدي ضرورات إن عرفناها فنحن ننتفع بها قليلاً في الكماليات، ويترك الحق بعض الأسرار في الكون إلى العقول لتستنبطها، فالشيء الذي كان العقل يقف فيه قديماً يصبح باكتشاف أسرار الله مقبولاً ومعقولاً، كأن الشيء الذي وقف فيه العقل سابقاً أثبتت الأيام أنه حق، إذن فما لا يُعرف من الأشياء يُؤخذ بهذه القضية أو بما أُخِذَ من الغير.

السابقالتالي
2