الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ }

إن قولهم: { رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا } [آل عمران: 16] هو أول مرتبة للدخول على باب الله، فكأن الإيمان بالله يتطلب رعاية من الذي تلقى التكليف لحركة نفسه، لأن الإيمان له حق يقتضي ذلك، كأن المؤمن يقول: أنا ببشرتي لا أستطيع أن أوفي بحق الإيمان بك، فيارب اغفر لي ما حدث لي فيه من غفلة، أو زلة، أو مِنْ كِبْر، أو من نزوة نفسي. وهذا الدعاء دليل على أنه عرف مطلوب الإيمان كما أوضحه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيانه لمعنى الإحسان حين قال: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ". كأن تستحضر الله في كل عمل لأنه يراك. وهل يتأتى لواحد من البشر أن يجترئ على محارم من يراه بعينه؟ حينئذ يستحضر المؤمن ما جاء إلينا من مأثور القول، كأنه سبحانه وتعالى يوجه إلينا الحديث: يا عبادي إن كنتم تعتقدون أني لا أراكم، فالخلل في إيمانكم. وإن كنتم تعتقدون أني أراكم فلم جعلتموني أهون الناظرين إليكم؟ وكأن الحق سبحانه يقول للعبد: هل أنا أقل من عبيدي؟ أتقدر أن تسيء إلى أحد وهو يراك؟ إذن فكيف تجرؤ على الإساءة لخالقك؟ إن قول المؤمنين: { إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا } [آل عمران: 16] دليل على أنهم علموا أن الإيمان مطلوباته صعبة. { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } [آل عمران: 16]. فلنر على ماذا رتبوا غفران الذنب؟ لقد رتبوا طلب غفران الذنب على الإيمان. لماذا؟ لإنه ما دام الحق سبحانه وتعالى قد شرع التوبة، وشرع المغفرة للذنب، فهذا معناه أنه سبحانه قد علم أزلاً أن عباده قد تخونهم نفوسهم، فينحرفون عن منهج الله. ويختم الحق سبحانه الآية بقوله على ألسنة المؤمنين: { وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } [آل عمران: 16] لأنه ساعة أن أعلم أن الحق سبحانه وتعالى ضمن لي بواسع مغفرته أن يستر عليّ الذنب، فإن العبد قد يخجل من ارتكاب الذنب، أو يسرع بالاستغفار. ولماذا لا يكون قوله { فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا } [آل عمران: 16] بمعنى استرها يارب عنا فلا تأتي لنا أبداً؟ وإن جاءت فهي محل الاستغفار والتوبة. فإذا أذنبت ذنباً، واستغفرت ربي، وعلمت أن ربي قد أذن بالمغفرة لأنه قال:فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } [نوح: 10]. فإن الوجل يمتنع، والخوف يذهب عني، وأقبل على الله بمحبة على تكاليفه وأحمل نفسي على تطبيق منهج الله كله. ولذلك حينما شرع الله الحق سبحانه وتعالى للخلق التوبة كان ذلك رحمة أخرى. وهذه الرحمة الأخرى تتجلى في المقابل والنقيض. هب أن الله لم يشرع التوبة وأذنب واحد ذنباً، وبمجرد أن أذنب ذنباً خرج من رحمة الله، فماذا يصيب المجتمع منه؟ إن كل الشرور تصيب المجتمع من هذا الإنسان لأنه فقد الأمل في نفسه، أما حينما يفتح الله له باب التوبة فإن ارتكب العبد ذنباً ساهياً عن دينه، فإنه يرجع إلى ربه.

السابقالتالي
2