الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

ونعرف أن في { صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } [آل عمران: 152] مفعولين: الأول هو ضمير المخاطبين في قوله: " صدقكم " ، والثاني هو قوله " وَعْد " المضاف إليه الضمير العائد على لفظ الجلالة " الله " فهو - سبحانه - قد أحدث وعداً، والواقع جاء على وفق ما وعد. لقد قال الحق:إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد: 7]. وقال سبحانه:وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [الصافات: 173]. والآيتان تؤكدان قضية وعدية، بعد ذلك جاء التطبيق العملي.. فهل وقع الوعد أو لم يقع؟ لقد وقع، ومتى؟ فهل يشير الحق في هذه الآية إلى موقعة بدر؟ { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [آل عمران: 152]. و " تحسونهم " أي تُذهبون الحس منهم، والحس: هو الحواس الخمس، ومعنى أذهبت حسه يعني أفقدته تلك الحواس. " إذ تحسونهم " وقد حدث، وتمكنتم منهم تقتلونهم وتأسرونهم، أو الحس: هو الصوت الذي يخرج من الإنسان، وما دام فقد الحس يعني انتهى، { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [آل عمران: 152] فحينما صدقتم لقاءكم لعدوكم على منهج الله صدق الله وعده هذا في بدر. أما هنا في أُحد فقد جاء فيكم قوله: { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } [آل عمران: 152] أي جبنتم. { وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ } [آل عمران: 152] أمر الرسول { مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 152] وهي الغنائم، { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } [آل عمران: 152]. كأنه سبحانه يعطينا العبرة من معركتين: معركة فيها صدق وعد الله، وفعلاً انتصرتم، وأيضاً صدق وعد الله حينما تخليتم عن أمر الرسول فحدث لكم ما حدث. إذن فالمسألة مبسوطة أمامكم بالتجربة الواقعية، ليس بالكلام النظري وليس بالآيات فقط، بل بالواقع. أو أن الأمر كله دائر في أُحد، نقول فرضاً: هو يدور في أُحد ودع بدراً هذه، حينما دخلتم أيها المسلمون أول الأمر انتصرتم أم لم تنتصروا؟ لقد انتصرتم، وطلحة بن أبي طلحة الذي كان يحمل الراية للكفر قتل هو وبضعة وعشرون، الراية الكافرة قد سقطت في أول المعركة، وحامل الراية يقتل وهذا ما وضحه قوله تعالى: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [آل عمران: 152] فجماعة تقول: لنبق في أرض المعركة، وجماعة تقول: ننسحب. ورأيتم الغنائم فحدث منكم كذا وكذا. فتأتي النكسة، ولو لم يحدث ما حدث لكان من حقكم أن تتشككوا في هذا الدين، إذن فما حدث دليل على صدق هذا الدين، وأنكم إن تخليتم عن منهج من مناهج الله فلا بد أن يكون مآلكم الفشل والخيبة والهزيمة. { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [آل عمران: 152]، فجماعة قالوا: نظل كما أمرنا الرسول، وجماعة قالوا: نذهب إلى الغنائم { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ } [آل عمران: 152].

السابقالتالي
2