الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }

وحين تسمع كلمة " أؤخبركم " فما نسمعه بعد ذلك كلام عادي، أما عندما نسمع " أؤنبئكم " فما نسمعه بعدها هو خبر هائل لا يقال إلا في الأحداث العظام، فلا يقول أحد لآخر: سأنبئك بأنك ستأكل كذا وكذا في الغداء، ولكن يقال " أنا أنبئك بأنك نلت جائزة كبرى " ، هذا في المستوى البشري فما بالنا بالله الخالق الأعلى، ولذلك يقول الله الحق:عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [النبأ: 1-2]. إنه الأمر الذي يقلب كيان هذه الدنيا كلها، فحين يقول الحق: { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ } [آل عمران: 15] فمعنى ذلك أن الله يخبرنا بخير من هذه الأشياء، ومن ذلك نعرف أن الله قد جعل هذه الأشياء مقياساً، لماذا؟ لأنه مقياس محس، وأوضح لنا كيفية التصعيد فقال: { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ } [آل عمران: 15] والمؤمن هو من ينظر بثقة إلى كلمة " عند ربهم " أي الرب المتولي التربية والذي يتعهد المُرَبَّى حتى يبلغه درجة الكمال المطلوب منه. والعندية هنا هي عند الرب الأعلى. فماذا أعد المربي الأعلى للمتقين؟ لقد أعد لهم { جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [آل عمران: 15] ولنر الخيرية في هذه الجنات، وهي تقابل في الدنيا الحرث والزرع، وقد قلنا: إن الحق حين تكلم عن الزرع تكلم واصفاً له بـ " الحرث " لنعرف أن الزرع يتطلب منا حركة وعملاً. أما في الآخرة فالجنات جاهزة لا تتطلب من المؤمن حركة أو تعباً، ولا يقف الأمر عند ذلك، بل إن هذه الجنات تجري من تحتها الأنهار وفيها للإنسان المؤمن ما وعده الله به: { خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [آل عمران: 15] إنه الخلود الذي لا يفنى، ولا يترك الإنسان ولا يترك هو الإنسانِ. والأزواج المطهرة هي وعد من الله للمؤمنين، ومن يحب النساء في الدنيا يعرف أن المرأة في الدنيا يطرأ عليها أشياء قد تنفر، إما خَلْقاً تكوينياً، وإمَّا خُلُقاً، فهناك وقت لا يحب الرجل أن يقرب فيه المرأة، وقد يكون فيها خصلة من الخصال السيئة فيكره الإنسان جمالها. لذلك فالرجل قد ينخدع بالمظهر الخارجي للمرأة في الدنيا، وقد يقع الإنسان في هوى واحدة فيجد فيها خصلة تجعله يكرهها، أما في الآخرة فالأمر مختلف، إنها " أزواج مطهرة " أي مطهرة من كل عيب يعيب نساء الدنيا، فيأخذ المؤمن جمالها، ولا يوجد فيها شرور الدنيا، فقد طهرها الله منها. " أزواج مطهرة " من الذي طهرها؟ إنه هو الله - سبحانه - طهرها خَلْقاً وَخُلُقاً. فالرجل في الدنيا قد يهوى امرأة، وتستمر نضارتها خمسة عشر عاماً تستميله وتجذبه، ثم تبدأ التجاعيد والترهل والتنافر.

السابقالتالي
2 3 4 5