الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ }

{ وَكَأَيِّن } هذه يقولون: إنها للتكثير، مثل " كم " فعندما يقول لك إنسان مثلاً: لماذا تجافيني؟ فتقول له: كم زرتك؟ إن قولك: " كم زُرتك! " في ظاهرها أنها استفهام، وأنت لا تريد أن تقول له مستفهماً كم مرة زُرته فيها، بل تقول له: أنت الذي عليك أن تقول - لأنك بقولك ستعترف أني زُرتك كثيرا، فيكون الجواب موافقاً لما فعلت. وأنت لا تقول " كم زرتك " إلا وأنت واثق أنه إذا أراد أن يجيب فسيقول: " زرتني كثيراً " ولو كنت لا تثق أنه سيقول: زرتني كثيراً، لَمَا قلتها، فعندما تقول له: كم زرتك، كم تفضلت عليك، كم واسيتك، كم أكرمتك؟ فإن " كم " تأتي للتكثير، وتأتي مثلها " كأيِّن " إنها للتكثير أيضاً، عندما تقول مثلاً: " ياما حصل كذا " و " ياما " هذه معناها " كأيِّن ". وقد يسألك صديق: كيف حدثت هذه الحكاية؟ فتقول له: كأي رجل يفعل كذا ويحصل له كذا، أي أن المسأله ليست غريبة، إن قولك: كأي رجل معناها أنها شاعت كثيراً، وعندما تقول: كم مرة زرتك، وكم من مرة زرتك فهذان الاستعمالان صحيحان والمعنى: كثير من نبي قاتل معه مؤمنون برسالته كما حدث وحصل مع رسول الله. وقوله الحق " رِبِّيُّونَ " أي ناس فقهاء فاهمون سبل الحرب، و " ربيون " أيضاً تعني: " أتباعاً يقاتلون " ، و " ربيون " يمكن أن ينصرف معناها إلى أن منهجهم إلهي مثل " الربانيين ". وقول الحق: " فما وهنوا " أي ما ضعفوا، إذن فهو يريد أن يأتي بالأسوة، وكأنه سبحانه يقول: أنتم لماذا ضعفتم في موقفكم في غزوة أُحُد وأنتم تقاتلون مع رسول الله. لقد كان الأولى بكم أن يكون حماسكم في القتال معه أشد من حماس أي أتباع نبي مع نبيهم لأنه النبي الخاتم الذي سيضع المبدأ الذي ستقوم عليه الساعة، ولن يأتي أحد بعده، فكان يجب أن تتحمسوا فأنتم خير أمة أخرجت للناس، وأنا ادخرتكم لذلك. إن الحق يعطيهم المثل وفيه تعريض بهم وعتاب لهم، وفي هذا القول تعليم أيضاً، فيقول: { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ } [آل عمران: 146] أي وكثير من الأنبياء { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ } [آل عمران: 146] ونستوحي من كلمة " وهنوا " أي ما ضعفوا. فكأنه قد حدث في القتال ما يضعف، { فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ } [آل عمران: 146] أي ما حدثت لهم نكسة مثلما حدثت لكم. { وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ } [آل عمران: 146]. وكل من " وهنوا " و " ضعفوا " و " استكانوا " هذه جاءت في موقعها الصحيح لأن " الوهن " بداية الضعف، و " الوهن " محله القلب وهو ينضح على الجوارح ضعفاً.

السابقالتالي
2 3