الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ }

وساعة تسمع " ما كان " أي " ما ينبغي ". فنحن في حياتنا نقول: ما كان لك أن تضرب زيداً، ونقصد أنه ما ينبغي أن تضرب زيداً. فقوله: { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله } [آل عمران: 145] هذا القول قد يدفع إلى التساؤل: وهل الموت أمر اختياري؟ لا، ولكن تعبير الحق سبحانه له إيحاء لأنك عندما تقول: ما كان لفلان أن يفعل كذا، فهذا معناه أن لفلان أن يختار أن يفعل ذلك أو لا يفعله، وفي قدرة فلان أن يفعل أو لا يفعل. أما عن قدرة الله فلا يمكن أن يقول أحد ذلك. إننا نفهمه على فرض أن النفس تدفع نفسها إلى موارد التهلكة، فما لها أن تموت إلا أن يأذن الله. فإذا كانت النفس هي التي تدفع نفسها إلى موارد التهلكة، ومع ذلك لا تملك أن تموت، فكيف إذا لم تدفع نفسها إلى موارد التهلكة. إذن فالموت إن أرادته النفس فلن يأتي إلا أن يكون الله قد أذن بذلك. وإننا نجد في واقع الحياة صوراً شتى من هذه الصور. نجد من يضيق ذرعاً بهذه الحياة لأن طاقته الإيمانية لا تتسع للبلاء والكد في الدنيا فينتحر، إنه يريد أن يفر مما لا يقدر على دفع أسبابه. أما الذي يملك الطاقة الإيمانية الرحبة فأي شقاء أو بلاء يقابله يقول: إن لي رباً، وما أجراه عليّ ربي فهو المربي الحكيم الذي يعرف مصلحتي أكثر مما أعلم، ولعل هذا البلاء كفارة لي عن ذنب. وهذا عكس من يفر مما لا يقدر على دفع أسبابه، فيحاول أن يقتل نفسه، وكل منا قد رأى أو سمع عن بعض الذين يريدون ذلك لكن يتم إنقاذهم ويدركهم من ينفذ مشيئة الله في إنقاذهم، كغسيل المعدة لمن ابتلع أقراصاً سامة، أو إطفاء حريق من أشعل في نفسه النار. فالمنتحر يريد لنفسه الموت ولكن الله إذا لم يأذن، فلا يبلغه الله هذا، فقد تجد مُنتحراً يريد أن يطلق على نفسه رصاصة من مسدس فلا تنطلق الرصاصة، أو تجد منتحراً آخر يريد أن يشنق نفسه بحبل معلق في السقف فينقطع الحبل، لماذا؟ لأنه لا يقبض الحياة إلا من وَهَبَ الحياة. قد يقول قائل: ولكن هناك المقتول الذي يقتله إنسان آخر. وهنا يرد المثل الشعبي: لو صبر القاتل على المقتول لمات بمفرده، إن اللحظة التي تفارق الروح مادة الجسد موقوتة بأجل محدود، فمرة تأتي اللحظة بدون سبب، فيموت الإنسان حتف أنفه، ويقول أصدقاؤه: لقد كان معنا منذ قليل. إنهم ينسون أنه مات لأنه يموت بكتاب مؤجل. ولذلك نجد إنساناً يسعى إلى عافية الحياة، فيذهب إلى إجراء جراحة ما، وأثناء إجراء الجراحة يموت.

السابقالتالي
2 3