الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ }

وقد تكلمنا - من قبل - عن " المس " وهو: إصابة بدون حس.. أي لمس لكنك لا تحس بحرارة أو نعومة مثلاً، إنما " اللمس " هو أن تحس في الشيء حرارة أو نعومة ويحتاج إلى الالتصاق المؤقت، إنما " المس " هو ما لا تكاد تدرك به شيئاً، " والقَرْح " هو: الجراح، وفي لغة أخرى تقول " القُرح " - بضم القاف - وأقول: القُرح وهو الألم الناشئ من الجراح، كي يكون لفظ معنى. وأنت قد ترى بعض الألفاظ فتظن أن معناها واحد في الجملة، إلا أن لكل معنى منها ملحظاً، أنت تسمع مثلاً: رأى، ونظر، ولمح، ورمق، ورنا. كل هذه تدل على البصر. لكن كل لفظ له معنى: رمق: رأى بمؤخر عينيه، ولمح: أي شاهد من بعد، ورنا: نظر بإطالة، وهكذا. ويقال أيضاً: جلس، وقعد، فالمعنى العام يكاد يكون واحداً، لكن المعنى الدقيق يوضح أن الجلوس يكون عن اضطجاع. والقعود عن قيام، كان قائماً فقعد، والاثنان ينتهيان إلى وضع واحد، فكذلك " قَرح " و " قُرح " كل لفظ له معنى دقيق. ويقولون - مثلاً -: إن للأسد أسماء كثيرة، فقال: " الأسد " و " الغضنفر " و " الرئبال " و " الوَرْد " و " القسْورة ". صحيح هذه أسماء للأسد، ولكن لكل اسم معنى محدد، فـ " الأسد " هو اللفظ العام والعَلَم على هذا الحيوان، و " الغضنفر " هو الأسد عندما ينفش لبدته، و " الوَرْد " هو حالة للأسد عندما يكون قد مط صلبه، فكل موقف للأسد له معنى خاص به. وقوله الحق: { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } [آل عمران: 140] لاحظ أن المتكلم هو الله فافطن جيداً إلى مرادات كلامه. ونعرف أنه في الشرط والجواب،، أن الشرط يأتي أولاً ثم يأتي الجواب من بعد ذلك مترتباً عليه ونتيجه له، كقولنا " إن تذاكر تنجح " إن النجاح هو جواب لشرط وهو الاستذكار. وقوله الحق: { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } [آل عمران: 140] فهل المعنى المراد من هذه الجملة الشرطية أن مس القرح للكافرين الذي حدث في بدر كان كجزاء لمس القرح للمؤمنين في أحد؟ لا، إنه لا يكون أبداً جواباً لشرط لأنه لو كان جواب شرط لقال الحق: إن يمسسكم قرح فسيمس القوم قرح مثله. ولكنه لم يقل ذلك لأن القرح الذي أصاب المشركين في بدر كان أسبق من القرح الذي أصاب المؤمنين في أحد. وكأن الحق يقول: إن يمسسكم قرح فلا تبتئسوا فقد مس القوم قرح مثله، وليس ذلك جواب الشرط، ولكنه جاء ليُستدل به على جواب الشرط، أي أنه تعليل لجواب الشرط، أقول ذلك حتى لا يتدخل دعيّ من الأدعياء ويتهم القرآن - والعياذ بالله - بما ليس فيه.

السابقالتالي
2 3 4 5