الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

والقرآن كلام الله وله - سبحانه - الطلاقة التامة والغنى الكامل، والعبارات في المعنى الواحد قد تختلف لأن كل مقام له قوله، وسبحانه يحدد بدقة متناهية اللفظ المناسب.. إنه هو سبحانه الذي قال:إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } [المعارج: 19-23]. وهو سبحانه الذي قال:مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } [النساء: 79]. إنه جل وعلا يتكلم عن المس في الشر والخير، ومرة يتكلم عما يحدث للإنسان كإصابة في الخير أو في الشر، وفي الآية التي نحن بصدد الخواطر عنها تجد خلافاً في الأسلوب فسبحانه يقول: { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } [آل عمران: 120] إنه لم يورد الأمر كله مَسًّا، ولم يورده كله " إصابة " إنه كلام رب حكيم وعندما نتمعن في المعنى فإن الواحد منا يقول: هذا كلام لا يقوله إلا رب حكيم. ولنتعرف الأن على " المس " و " الإصابة " بعض العلماء قال: إن المس والإصابة بمعنى واحد، بدليل قوله الحق:إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } [المعارج: 19-21]. ولكننا نقول إن المس هو إيجاد صلة بين الماس والممسوس، فإذا مس الرجل امرأته، فنحن نأمره بالوضوء فقط لأنه مجرد التقاء الماس بالممسوس والأمر ليس أكثر من التقاء لا تحدث به الجنابة فلا حاجة للغسل، أما الإصابة فهي التقاء وزيادة فالذي يضرب واحداً صفعة فإنه قد يورم صدغة، فالكف يلتقي بالخد، ويصيب الصدغ، وهكذا نعرف أن هناك فرقاً بين المس والإصابة، وحين يقول الحق: { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } [آل عمران: 120]. فمعنى ذلك أن الحسنة الواقعة بسيطة، وليست كبيرة إنها مجرد غنيمة أو قليل من الخير.. وفي حياتنا اليومية نجد من يمتلئ غيظاً لأن خصمه قد كسب عشرة قروش، وقد يجد من يقول له: لماذا لا تدخر غيظك إلى أن يكسب مائة جنيه مثلاً؟ ومثل هذا الغيظ من الحسنة الصغيرة هو دليل على أن أي خير يأتي للمؤمنين إنما يسبب التعب والكدر للكافرين. فمجرد مس الخير للمؤمنين يتعب الكافرين فماذا عن أمر السيئة؟ إن الحق يقول: { وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } [آل عمران: 120] إن الكافرين يفرحون لأي سوء يصيب المؤمنين مع أنه كان مقتضى الإنسانية أن ينقلب الحاسد راحماً:
حسبك من حادث بامرئ   ترى حاسديه له راحمينا
يعني حسبك من حادث ومصيبة تقع على إنسان أن الذي كان يحسده ينقلب راحماً له ويقول: والله أنا حزنت من أجله.

السابقالتالي
2