الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ }

وهم بالإيمان بالله واليوم الآخر، وبالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إنما يتصفون بالصفات التي أوردها الله صفة لخير أمة أخرجت للناس وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم. لقد دخل هذا البعض من أهل الكتاب بثقلهم - ومن أول الأمر - في مقام الإحسان، وما داموا قد دخلوا في مقام الإحسان فهم بحق كانوا مستشرفين لظهور النبي الجديد. وبمجرد أن جاء النبي الجديد تلقفوا الخيط وآمنوا برسالته، وصاروا من خير أمة أخرجت للناس. ويكمل الحق سبحانه صفاتهم بقوله: { وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [آل عمران: 114] وهذا كمثل قوله سبحانه وتعالى في حق المؤمنين:وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133]. ونحن نعرف أن هناك فرقاً بين " السرعة " و " العجلة " فـ " السرعة " و " العجلة " يلتقيان في تقليل الزمن بالنسبة للحدث، ومثال ذلك أن يقطع إنسان المسافة من مكان إلى مكان في زمن معين، والذي يسرع في قطع المسافة هو الذي يستغرق من الزمن أقل وقت ممكن ولكن هناك اختلاف بين السرعة والعجلة، وأول خلاف بينهما يتضح في المقابل، فمقابل السرعة الإبطاء، ويقال: فلان أسرع، وعلان أبطأ ومقابل " العجلة " هو " الأناة " فيقال: فلان تأنى في اتخاذ قراره. فالسرعة ممدوحة ومقابلها وهو " الإبطاء " مذموم، " والعجلة " مذمومة، ومقابلها هو التأني ممدوح لأن السرعة هي التقدم فيما ينبغي التقدم فيه، والعجلة هي التقدم فيما لا ينبغي التقدم فيه، ولذلك قيل في الأمثال: " في العجلة الندامة، وفي التأني السلامة " وقال الحق:وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ.. } [آل عمران: 133]. وهو سبحانه: هنا يقول { وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ } [آل عمران: 114] أي كلما لمحت لهم بارقة في الخير فهم يسرعون إليها، أي أنهم يتقدمون فيما ينبغي التقدم فيه، إنهم يعلمون أن الإسراع إلى الخير حدث، وكل حدث يقتضي حركة، والحركة تقتضي متحركاً، والمتحرك يقتضي حياة، فما الذي يضمن للإنسان أن تظل له حياة، لذلك يجب أن تسرع إلى الخيرات، وسيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه كان ينام القيلولة، وكان حاجبه يمنع الناس من إيقاظ الخليفة، فجاء ابن عمر بن عبد العزيز وقال للحاجب: أريد أن أدخل على أمير المؤمنين الساعة، فمنعه الحاجب قائلاً: إنها ساعة يستريح فيها وهو لا يستريح من الليل أو النهار إلاّ فيها، فدعه ليستريح. وسمع سيدنا عمر بن عبد العزيز الضجة، فسأل الحاجب. قال الحاجب: إنه ابنك، ويريد أن يدخل عليك وأنا أطالبه ألا يدخل حتى تستريح. قال عمر بن عبد العزيز للحاجب: دعه يدخل.

السابقالتالي
2