الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ }

إن آيات الله هي حججه وبراهينه وجزاءاته، فمن اسود وجهه يوم القيامة نال العذاب، ومن ابيض وجهه نال الرحمة وهو فيها خالد { تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ } [آل عمران: 108]، فما الذي يجعل إنساناً لا يخبر بالحق؟ لابد أن هناك داعياً عند ذلك الإنسان، فلأنّ الحق يُتبعه، فهو يخبر بغير الحق. لكن هل هناك ما يتعب الخالق؟ لا فسبحانه وتعالى منزه عن ذلك وعن كل نقص أو عيب إذن فلابد ألاَّ يقول إلا الحق، فلا شيء خارج عن ملكه بعد ذلك يقول سبحانه: { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } [آل عمران: 108]. إنه سبحانه ينفي الظلم عن نفسه كما قال:وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [فصلت: 46]. والحق لا يريد الظلم على إطلاقه من نفسه ومنكم أنتم أيها العباد. وكيف يأتي الظلم؟ إن مظاهر الظلم هي - كما نعرف - أن تأخذ إنساناً بغير جرم.. هذا ظلم، أو أن تعاقب إنساناً فوق الجرم.. هذا ظلم. أو ألا تعطي إنسانا مستوى إحسانه.. هذا ظلم. وماذا يفعل من يقوم بالظلم؟ إنه يريد أن يعود الأمر بالنفع له، فإن كان يريد أَخْذَ إنسانٍ بغير جرم فهو يفعل ذلك ليروي حقداً وغلا في نفسه، وقد يلفق لإنسان جرماً لأنه يرى أن هذا الإنسان قد يهدده في أي مصلحة من المصالح، وهو يعلم انحرافه فيها، فيعتقله مثلاً، أو يضعه في السجن حتى لا يفضحه. إذن لا يمكن أن يذهب إنسان عن الحق إلى الظلم إلا وهو يريد أن يحقق منفعة أو يدفع عن نفسه ضرراً، والله لن يحقق لذاته منفعة بظلم، أو يدفع ضرراً يقع من خلقه عليه إنه منزه عن ذلك فهو القاهر فوق عباده. والحديث القدسي يقول: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي. وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ". والظالم من البشر جاهل. لماذا؟ لأنه قَوَّى الذي ظلمه، ولم يضعفه، فالظالم يظلم ليضعف المظلوم أمامه، فنقول له: أنت غبي، قليل الذكاء لأنك قويته على نفسك وفعلت عكس ما تريد. ولنوضحْ ذلك - ولله المثل الأعلى - نحن جميعاً عيال الله، سننتقل إلى دائرة حياتنا اليومية ونرى عيالنا، إن الواحد منا عندما يكون له أولاد، وجاء ولد من الأولاد وظلم أخاه فَقَلْبُ الوالد يكون مع المظلوم، ويحاول الوالد أن يترضّى ابنه المظلوم. إذن فالولد الظالم ضر أخاه ضرراً يناسب طفولته، ولكنه أعطاه نفعا يناسب قوة والده، إنه يجهل حقيقة تقويته لأخيه. وما دمنا جميعاً عيال الله فماذا يفعل الله حين يرى سبحانه واحداً من خلقه يظلم آخر من خلقه؟ لابد أن الحق سيشمل المظلوم برعايته، وهكذا يقوى الظالم المظلوم، والظالم بذلك يعلن عن غبائه، فلو كان ذكياً، لم ظلم، ولضنّ على عدوه أن يظلمه، ولقال: إنه لا يستأهل أن أظلمه لأنه عن طريق ظلمي له سيعطيه الله مكافأة كبرى، وهي أن يجعله في كنفه ورعايته مباشرة.

السابقالتالي
2