الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ }

إن الله قد أعطى المؤمنين المناعة أولاً بألا يسمعوا كلام أعداء الدين. وحين نسمع كلمة " اتقوا " فلنفهم أن هناك أشياء تسبب لك التعب والأذى، فعليك أن تجعل بينك وبينها وقاية، ولذلك قال الحق:وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 131]. إنه الحق يطلب من الإنسان أن يجعل بينه وبين النار وقاية وحجاباً يقيه منها. والحق سبحانه وتعالى حين يقول على سبيل المثال:وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } [المائدة: 4]. أي اجعل بينك وبين الله حجاباً يقيك من غضبه. وقد يقول قائل: كيف يكون ذلك وأنا كمؤمن أريد أن إعيش في معية الله؟ نقول: إنك تجعل الوقاية لنفسك من صفات جلال الله، وأنت تستظل بصفات الجمال، فالمؤمن الحق هو من يجعل لنفسه وقاية من صفات الجلال، وهي القهر والجبروت وغيرها، وكذلك النار إنّها من جنود صفات جلال الله. فحين يقول الحق: " اتقوا النار " أو " اتقوا الله " فالمعنى واحد. وعندما يسمع إنسان قول الحق سبحانه: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] ماذا تعني حق تقاته؟ إن كلمة " حق " - كما نعرف - تعني الشيء الثابت الذي لا يزول ولا يتزحزح، أي لا ينتهي ولا يتذبذب، هذا هو الحق. إذن ما حق التقى؟ هو أن يكون إيمانك أيها المؤمن إيماناً راسخاً لا يغادرك ولا تتذبذب معه، واتقاء الله حق تقاته هو اتباع منهجه، فيطاع الله باتباع المنهج فلا يعصي، ويُذكر فلا ينسى، ويُشكر ولا يُكفر. وطريق الطاعة يوجد في اتباع المنهج بـ " افعل " و " لا تفعل " ويذكر ولا ينسى لأن العبد قد يطيع الله، وينفذ منهج الله، ولكن النعم التي خلقها الله قد تشغل العبد عن الله، والمنهج يدعوك أن تتذكر في كل نعمة من أنعم بها، وإياك أن تنسيك النعمة المنعم. ويشكر العبد الله ولا يكفر بالنعم التي وهبها له الله. وما دمت أيها العبد تستقبل كل نعمة وتردها إلى الله وتقول: " ما شاء الله، لا قوة إلا بالله " ولا تكفر بالنعم أي أنك تؤدي حق النعمة، وكل نعمة يؤدي العبد حقها تعني أنها نعمة شكر العبد ربه عليها، ولم يكفر بها. وقيل في معنى: " حق تقاته " أي أَنه لا تأخذك في الله لومة لائم، أو أن تقول الحق ولو على نفسك. هذا ما يقال عنه " حق التقى " ، أي التقى الحق الذي يعتبر تقى بحق وصدق. وقال العلماء: إن هذه الآية عندما نزلت وسمعها الصحابة، استضعف الصحابة نفوسهم أمام مطلوبها، فقال بعضهم: من يقدر على حق التقى؟ ويقال: إن الله أنزل بعد ذلك:

السابقالتالي
2 3