الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ }

فمَنْ يسمع المثل من الله تعالى ثم لا يعقله فليس بعالم لذلك ليسوا علماء الذين اعترضوا على قوله تعالى:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا.. } [البقرة: 26] حيث استقلُّوا البعوضة، ورأوها لا تستحق أنْ تُضرب مثلاً. ونقول لهم: أنتم لستم عاقلين ولا عالمين بدقة المثل، واقرأوا:إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ.. } [الحج: 73] بل وأكثر من ذلك:وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ.. } [الحج: 73]. دَعْك من مسألة الخَلْق، وتعالَ إلى أبسط شيء في حركة حياتنا إذا وقع الذباب على طعامك، فأخذ منه شيئاً أتستطيع أن تسترده منه مهما أُوتيتَ من القوة والجبروت؟ إذن: فالذبابة ليست شيئاً تافهاً كما تظنون، بل وأقلّ منها الناموس والميكروب وغيره مما لا يُرَى بالعين المجردة مخلوقات لله، فيها أسرار تدلُّ على قدرته تعالى. كما قال سبحانه:إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا.. } [البقرة: 26] أي: ما فوقها في الصِّغَر، ولك أن تتأمل البعوضة، وهي أقلّ حجماً من الذباب، وكيف أن لها خرطوماً دقيقاً ينفذ من الجلد، ويمتصّ الدم الذي لا تستطيع أنت إخراجه إلا بصعوبة، والميكروب الذي لا تراه بعينك المجردة ومع ذلك يتسلل إلى الجسم فيمرضه، ويهدّ كيانه، وربما انتهى به إلى الموت. إذن: ففي هذه المخلوقات الحقيرة في نظرك عبر وآيات، لكن لا يعقلها إلا العالمون، ومعظم هذه الآيات والأسرار اكتشفها غير مؤمنين بالله، فكان منهم مَنْ عقلها فآمن، ومَنْ لم يعقلها فظلَّ على كفره على أنه أَوْلَى الناس بالإيمان بالله لأن لديه من العلم ما يكتشف به أسرار الخالق في الخَلْق. لذلك جاء في الأثر: " العالم الحق هو الذي يعلم مَنْ خلقه، ولِمَ خلقه ". ثم يقول الحق سبحانه: { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَاوَاتِ... }.