الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

مدين: اسم من أسماء أولاد إبراهيم عليه السلام، وسُمِّيت باسمه القبيلة لأنهم كانوا عادة ما يُسمُّون القوم باسم أبرز أشخاصها، فانتقل الاسم من الشخص إلى القبيلة، ثم إلى المكان، بدليل قوله تعالى في موضع آخر:وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ.. } [القصص: 23] فصارت مدين عَلَماً على البقعة، وقالوا: إنها من الطور إلى الفرات. هذه برقية موجزة لقصة مدين وأخيهم شعيب، وقد ذُكِرت أيضاً في قصة موسى عليه السلام. وقال { أَخَاهُمْ.. } [العنكبوت: 36] ليدلّك أن الله تعالى حين يصطفي للرسالة يصطفي مَنْ له وُدٌّ بالقوم، ولهم معرفة به وبأخلاقه وسيرته، ولهم به تجربة سابقة، فهو عندهم مُصلْح غير مُفْسِد، حتى إذا ما بلَّغهم عن الله صدَّقوه، وكانت له مُقدِّمات تُيسِّر له سبيل الهداية. وقوله: { فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ.. } [العنكبوت:36] كلمة { يٰقَوْمِ.. } [العنكبوت: 36]: القوم لا تُقال إلا للرجال لأنهم هم الذين يقومون لمهمات الأمور، ويتحملون المشاق لذلك يقول تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ.. } [الحجرات: 11] فأطلق القوم، وهم الرجال في مقابل النساء. والعبادة: قلنا: طاعة الأمر والنهي { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ.. } [العنكبوت: 36] أطيعوه فيما أمر، وانتهوا عما نهى عنه ما دُمْتم قد آمنتم به إلهاً خالقاً، فلا بُدَّ أنْ تسمعوا كلامه فيما ينصحكم به من توجيه بافعل ولا تفعل. وتعلم أنه سبحانه بصفات الكمال أوجدك وأوجد لك الأشياء، فأنت بعبادتك له لا تضيف إليه صفة جديدة، فهو إله قبل أن توجد أنت، وخالق بكامل القدرة قبل أنْ توجد، وخلق لك الكون قبل أنْ توجد. ثم بعد ذلك تعصاه وتكفر به، فلا يحرمك خيره، ولا يمنع عنك نعمه. إذن: فهو سبحانه يستحق منك العبادة والطاعة لأن طاعته تعود عليك أنت بالخير. لذلك سبق أنْ قُلْنَا إن كلمة العبودية كلمة مذمومة تشمئز منها النفس، إنْ كانت عبودية للبشر لأن عبودية البشر للبشر يأخذ فيها السيد خير عبده، لكن عبودية البشر لله تعالى يأخذ العبد خير سيده، فالعبودية لله عزٌّ وقوة ومنَعة وللبشر ذٌلٌّ وهوان لذلك نرى كل المصلحين يحاربون العبودية للبشر، ويدعون العبيد إلى التحرر. فأوَّل شيء أمر به شعيب قومه { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ.. } [العنكبوت: 36] كذلك قال إبراهيم لقومهٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ.. } [العنكبوت: 16]، لكن لوطاً عليه السلام لم يأمر قومه بعبادة الله، إنما اهتم بمسألة الفاحشة التي استشرتْ فيهم، مع أن كل الرسل جاءوا للأمر بعبادة الله. ونقول في هذه المسألة: لم يأمر لوط قومه بعبادة الله لأنه كان من شيعة إبراهيم عليه السلام ومؤمناً بديانته، بدليل قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3