الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ }

فلم يتكلم عن قارون وجزائه في الآخرة، إنما يجعله مثَلاً وعِبرة واضحة في الدنيا لكل مَنْ لم يؤمن بيوم القيامة لعلَّه يرتدع. والنبي صلى الله عليه وسلم اضطهده كفار قريش، ووقفوا في وجه دعوته، وآذوْا صحابته، حتى أصبحوا غير قادرين على حماية أنفسهم، ومع ذلك ينزل القرآن على رسول الله يقول:سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45]. فيتعجب عمر رضي الله عنه: أيُّ جمع هذا؟ فنحن غير قادرين على حماية أنفسنا، فلما وقعتْ بدر وانهزم الكفار وقُتِلوا. قال عمر: نعم صدق اللهسَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45]. لذلك يقولون: لا يموت ظالم في الدنيا حتى ينتقم الله منه، ويرى فيه المظلوم يوماً يشفي غليله، ولما مات ظلوم في الشام ولم يَرَ الناس فيه ما يدل على انتقام الله منه تعجّبوا وقال أحدهم: لا بُدَّ أن الله انتقم منه دون أن نشعر، فإنْ أفلتَ من عذاب الدنيا، فوراء هذه الدار دار أخرى يعاقب فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وعَدْل الله - عز وجل - يقتضي هذه المحاسبة. والحق - تبارك وتعالى - يجعل من قارون عبرةً لكل مَنْ لا يؤمن بالآخرة ليخاف من عذاب الله، ويحذر عقابه، والعبرة هنا بمَنْ؟ بقارون رأس من رؤوس القوم، وأغنى أغنيائهم، والفتوة فيهم، فحين يأخذه الله يكون في أَخَذه عبرة لمن دونه. وحدَّثونا أن صديقاً لنا كان يعمل بجمرك الأسكندرية، فتجمّع عليه بعض زملائه من الفتوات الذين يريدون فَرْضَ سيطرتهم على الآخرين، فما كان منه إلا أنْ أخذ كبيرهم، فألقاه في الأرض، وعندها تفرَّق الآخرون وانصرفوا عنه. ومن هذا المنطلق أخذ الله تعالى قارون، وهو الفتوة، ورمز الغِنى والجاه بين قومه، فقال تعالى: { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ.. } [القصص: 76] إذن: حينما نتأمل حياة موسى عليه السلام نجده قد مُنِي بصناديد الكفر، فقد واجه فرعون الذي ادَّعى الألوهية، وواجه هامان، ثم موسى السامري الذي خانه في قومه في غيبته، فدعاهم إلى عبادة العجل. ومُني من قومه بقارون، ومعنى: من قومه، إما لأنه كان من رحمه من بني إسرائيل، أو من قومه يعني: الذين يعيشون معه. والقرآن لم يتعرض لهذه المسألة بأكثر من هذا، لكن المفسرين يقولون: إنه ابن عمه. فهو: قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي ابن يعقوب وموسى هو ابن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب. وللمؤرخين كلام في العداوة بين موسى وقارون، قالوا: حينما سأل موسى عليه السلام ربه أنْ يشدَّ عضده بأخيه هارون، أجابه سبحانهقَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [طه: 36] وليست هذه أول مرة بلوَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } [طه: 37] وأرسل الله معه أخاه هارون لأنه أفصح من موسى لساناً، وجعلهما شريكين في الرسالة، وخاطبهما معاً

السابقالتالي
2 3 4