الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ }

خشي فرعون من كلام موسى على قومه، وتصوَّر أنه سيحدث لهم كما نقول غسيل مخ فأراد أن يُذكِّرهم بألوهيته، وأنه لم يتأثر بما سمع من موسى { يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي.. } [القصص: 38] يعني: إياكم أنْ تصدّقوا كلام موسى، فأنا إلهكم، وليس لكم إله غيري. ثم يؤكد هذه الألوهية فيقول لهامان وزيره: { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ.. } [القصص: 38] وفي موضع آخر قال:يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ * أَسْبَابَ ٱلسَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ.. } [غافر: 36-37]. وكأنه يريد أن يُرضي قومه، فها هو يريد أنْ يبحث عن الإله الذي يدَّعيه موسى، وكأنه إنْ بنى صرحا واعتلاه سيرى رب موسى، لكن هل بنى له هامان هذا الصرح؟ لم يَبْن له شيئاً، مما يدل على أن المسألة هَزْل في هَزْل، وضحك على القوم الذين استخفّهم ولعِب بعقولهم. وإلا، فما حاجتهم لحرق الطين ليصير هذه القوالب الحمراء التي نراها ونبني بها الآن وعندهم الحجارة والجرانيت التي بنَوْا بها الأهرامات وصنعوا منها التماثيل؟ وعملية حَرْق الطين تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد، إذن: المسألة كسب الوقت من الخَصْم، وتخدير الملأ من قومه. وقوله: { لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ.. } [القصص: 38] وقبل أنْ يصل إلى حكم فيرى إله موسى أو لا يراه، يبادر بالحكم على موسى { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } [القصص: 38] ليصرف ملأه عن كلام موسى.