الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ }

قوله تعالى: { بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ.. } [القصص: 36] أي: بمعجزاتنا واضحات باهرات، فلما بُهِتوا أمام آيات الله، وحاروا كيف يخرجون من هذا المأزق، فقد جاءهم موسى ليهدم عرش الألوهية الباطلة عند فرعون، ولم يملكوا إلا أنْ قالوا { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } [القصص: 36]. لذلك يُعلِّم الحق - تبارك وتعالى - موسى عليه السلام مُحَاجَّة هؤلاء، فكأنه قال له: أنت مُقبل على أُنَاس متمسكين بالباطل، حريصين عليه، منتفعين من ورائه، ولا بُدَّ أنْ يغضبوا إنْ قضيتَ على باطلهم، وصرفتهم عنه إلى الحق، فقد أَلِفُوا الباطل، فإنْ أخرجتَهم مما أَلِفوا إلى ما لا يألفون فلا بُدَّ لك من اللين وألاَّ تُهيِّجهم حين تجمع عليهم قسوة تَرْك ما ألِفوه مع قسوة الدعوة إلى ما لم يألفوه. ويكفي أنك ستسلبهم سلطان الألوهية الذي عاشوا في ظله، فإنْ زِدْتَ في القسوة عليهم ولّدْتَ عندهم لدداً وعناداً في الخصومة. لذلك قال تعالى:فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً.. } [طه: 44] يعني: اعذروه فيما يلاقي حين تُسلَب منه ألوهيته، ويصير واحداً من الرعية. وإنْ قابلوك هم بالقسوة حين قالوا: { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } [القصص: 36] فقابلهم أنت باللين.