الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

معنى { ٱسْلُكْ يَدَكَ.. } [القصص: 32] يعني: أدخلها { فِي جَيْبِكَ.. } [القصص: 32] الجيب: فتحة الثوب من أعلى، وسَمَّوْها جَيْباً لأنهم كانوا يجعلون الجيوب مكان حِفْظ الأموال في داخل الثياب حتى لا تُسرق، فكان الواحد يُدخِل يده في قبَّة الثوب لتصل إلى جيبه. ونلحظ هنا دقة الأداء القرآني { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ.. } [القصص: 32] ولم يقُلْ بصيغة الأمر: وأخرجها كما قال { ٱسْلُكْ يَدَكَ.. } [القصص: 32] وكأن العملية عملية آلية منضبطة بدقة، فبمجرد أن يُدخِلها تخرج هي بيضاء، فكأن إرادته على جوارحه كانت في الإدخال، أما في الإخراج فهي لقدرة الله. وكلمة { بَيْضَآءَ.. } [القصص: 32] أي: مُنوّرة دون مرض، والبياض لا بُدَّ أن يكون عجيباً في موسى - عليه السلام - لأنه كان أسمر اللون لذلك قال { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ.. } [القصص: 32] حتى لا يظنوا به بَرصاً مثلاً، فهو بياض طبيعي مُعْجِز. وقوله تعالى: { وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ.. } [القصص: 32] الجناحان في الطائر كاليدين في الإنسان، وإذا أراد الإنسان أن يعوم مثلاً يفعل كما يفعل الطائر حين يطير، فالمعنى: اضمُمْ إليك يديك يذهب عنك الخوف. وهذه العملية يُصدِّقها الواقع، فنرى المرأة حين ترى ولدها مثلاً يسئ التصرف تضرب صَدْرها وتولول، وسيدنا ابن عباس يقول: كل من خاف يجب عليه أن يضرب صدره بيديه ليذهب عنه ما يلاقي، ولك أن تُجرِّبها لتعلم صِدْق هذا الكلام. ومعنى { فَذَانِكَ.. } [القصص: 32] ذا: اسم إشارة للمفرد ونقول: ذان اسم إشارة للمثنى، والكاف للخطاب، والمراد: الإشارة لمعجزتي العصا واليد { بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ.. } [القصص: 32] أي ربك الحق { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ.. } [القصص: 32] الرب الباطل، ولا يمكن أنْ يجتمع الحق والباطل، لا بد للباطل أنْ يزهق لأنه ضعيف لا يصمد أمام قوة الحقبَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ.. } [الأنبياء: 18]. والبرهان: هو الحجة والدليل على صِدْق المبرهَن عليه { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ.. } [القصص: 32] لأن فرعون ادَّعى الألوهية، وملؤه استخفهم فأطاعوه { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } [القصص: 32] أي: جميعاً فرعون والملأ { فَاسِقِينَ } [القصص: 32] أي: خارجين عن الطاعة من قولنا فسقتِ الرُّطَبة يعني: خرجتْ من قشرتها. والمراد هنا الحجاب الديني الذي يُغلِّف الإنسان، ويحميه ويعصمه أنْ يتأثر بعوامل المعصية، فإذا انسلخ من هذا الثوب، ونزع هذا الحجاب، وتمرَّد على المنهج تكشفتْ عورته، وبانتْ سَوْءَته.