الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }

وكأن الله تعالى يقول لي: التفتْ إلى العبرة في الآيات الكونية، حيث ستنفعك في يوم آت هو يوم القيامة { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ.. } [النمل: 87] وهو البوق { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ.. } [النمل: 87] والفزع: الخوف الشديد الذي يأخذ كلَّ مَنْ في السماوات، وكل مَنْ في الأرض { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ.. } [النمل: 87] قالوا: هم الملائكة: إسرافيل الذي ينفخ في الصور، وجبريل، وميكائيل، وعزرائيل. لذلك لما تكلم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسألة الصعق هذه قال: " فأفيق من الصعقة فأجد أخي موسى ماسكاً بالعرش " ذلك لأن موسى عليه السلام صعق في الدنيا مرة حين تجلَّى ربه للجبل، كما حكى القرآن:فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً.. } [الأعراف: 143]. وما كان الله تعالى ليجمع على نبيه موسى عليه السلام صعقتين، لذلك لم يُصعَق صعقة الآخرة. وقوله سبحانه: { وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } [النمل: 87] أي: صاغرين أذلاء، لا يتأبى على الله منهم أحد، حيث لا قدرةَ له على ذلك لأن القيامة أنهتْ الاختيار الذي كان لهم في الدنيا، وبه ملّكهم الله شيئاً من المِلْك:قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ.. } [آل عمران: 26]. فأعطى الله تعالى طرفاً من الملْك، ووهبه لبعض عباده في دنيا الأسباب والاختيار، أمَّا في الآخرة فالملْك لله تعالى وحده، لا ينازعه فيه أحد:لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16]. في القيامة يُنزع منك كلّ شيء تملكه وكلّ قدرة لك على ما تملك حتى جوارحك لا قدرةَ لك عليها، ولا إرادةَ لتنفعل لك، هي تبع إرادتك في الدنيا، وبها ترى وتسمع وتمشي وتبطش، أمَّا في الآخرة فقد سُلِبت منك هذه الإرادة، بدليل أنها ستشهد عليك، وتُحاجّك يوم القيامة. ثم ينتقل السياق بنا مرة أخرى إلى آية كونية: { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا... }.