الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ }

مرَّتْ بنا قصة نبي الله صالح - عليه السلام - مع قومه ثمود في سورة الشعراء، وأُعيد ذكرها هنا لأن القرآن يقصُّ على رسول الله من موكب الأنبياء ما يُثبِّت به فؤاده، كلّما تعرض لأحداث تُزلزل الفؤاد، يعطيه الله النَّجْم من القرآن بما يناسب الظروف التي يمرُّ بها، وهذا ليس تكراراً للأحداث، إنما توزيع للقطات، بحيث إذا تجمعتْ تكاملتْ في بناء القصة. وقوله سبحانه { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً.. } [النمل: 45] لا بُدَّ أنه أرسل بشيء ما هو؟ { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ.. } [النمل: 45] لذلك سُمِّيت أنْ التفسيرية، كما في قوله تعالى:وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ.. } [القصص: 7] ماذا؟أَنْ أَرْضِعِيهِ.. } [القصص: 7]. وقد يأتي التفسير بجملة، كما في:فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ.. } [طه: 120] بأي شيء؟قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [طه: 120]. فشرح الوسوسة وهي شيء عام بقوله:قَالَ يٰآدَمُ.. } [طه: 120] فرسالتنا إلى ثمود ملخصها ومؤداها { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ.. } [النمل: 45]. والعبادة كما ذكرنا أن نطيع الله بفعل ما أمر، وبترْك ما نهى عنه وزَجر، أما ما لم يرِدْ فيه أمر ولا نَهْي فهو من المباحات إنْ شئتَ فعلتها، وإنْ شئت تركتها، وإذا ما استعرضنا حركة الأحياء والخلفاء في الأرض وجدنا أن 5% من حركتهم تدخّل فيها الشارع بافعل ولا تفعل، أما الباقي فهو مُباح. إذن: فالتكليف منُوط بأشياء يجب أنْ تفعلها لأن فيها صلاحَ مجتمعك، أو أشياء يجب أن تتركها لأن فيها فساد مجتمعك. فماذا كانت النتيجة؟ { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [النمل: 45]. والاختصام أنْ يقف فريق منهم ضد الآخر، والمراد أن فريقاً منهم عبدوا الله وأطاعوا، والفريق الآخر عارض وكفر بالله. وقد وقف عند هذه الآية بعض الذين يحبون أنْ يتهجَّموا على الإسلام وعلى أسلوب القرآن، وهم يفتقدون الملَكة العربية التي تساعدهم على فَهْم كلام الله، وإنْ تعلَّموها فنفوسهم غير صافية لاستقبال كلام الله، وفيهم خُبْث وسُوء نية. واعتراضهم أن { فَرِيقَانِ.. } [النمل: 45] مثنى و { يَخْتَصِمُونَ } [النمل: 45] دالة على الجمع، فلماذا لم يَقُل: يختصمان؟ وهذه لغة القرآن في مواضع عدة. ومنها قوله تعالى:وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا.. } [الحجرات: 9]. والقياس يقتضي أن يقول: اقتتلتا. لكن حين نتدبَّر المعنى نجد أن الطائفة جماعة مقابل جماعة أخرى، فإنْ حدث قتالٌ حمل كُلٌّ منهم السلاح، لا أن تتقدم الطائفة بسيف واحد، فهم في حال القتال جماعة. لذلك قال اقتتلوا بصيغة الجمع، أما في البداية وعند تقرير القتال فلكُلِّ طائفة منهما رأْيٌ واحد يعبر عنه قائدها، إذن: فهما في هذه الحالة مثنى.

السابقالتالي
2 3