الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

الصَّرْح: إما أن يكون القصر المشيد الفخم، وإما أن يكون البهو الكبير الذي يجلس فيه الملوك مثل: إيوان كسرى مثلاً، فلما دخلتْ { حَسِبَتْهُ لُجَّةً.. } [النمل: 44] ظنَّته ماءً، والإنسان إذا رأى أمامه ماءً أو بَلَلاً يرفع ثيابه بعملية آلية قَسْرية حتى لا يصيبه البَلَل لذلك كشفتْ بلقيس عن ساقيها يعني: رفعتْ ذَيْل ثوبها. وهنا نَبهها سليمان { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ.. } [النمل: 44] يعني: ادخلي لا تخافي بللاً، فهذا ليس لُجةَ ماء، إنما صَرْح ممرد من قوارير يعني: مبنيٌّ من الزجاج والبللور أو الكريستال، بحيث يتموج الماء من تحته بما فيه من أسماك. { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي.. } [النمل: 44] بالكفر أولاً، وبظنِّ السوء في سليمان، وأنه يريد أنْ يُغرقني في لجة الماء { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [النمل: 44] ويبدو أنها لم تنطق بكلمة الإسلام صريحة إلا هذه المرة، وأن القول السابقوَكُنَّا مُسْلِمِينَ } [النمل: 42] كان من كلام سليمان عليه السلام. وقولها { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ.. } [النمل: 44] مثل قول سَحَرة فرعون لما رأوا المعجزة:آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [طه: 70] لأن الإيمان إنما يكون بالله والرسول دال على الله، لذلك قالت: { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ.. } [النمل: 44] ولم تقُلْ: أسلمتُ لسليمان، نعم لقد دانتْ له، واقتنعتْ بنبوته، لكن كبرياء الملك فيها جعلها لا تخضع له، وتعلن إسلامها لله مع سليمان لأنه السبب في ذلك، وكأنها تقول له: لا تظن أنِّي أسلمتُ لك، إنما أسلمتُ معك، إذن: أنا وأنت سواء، لا يتعالى أحد منا على الآخر، فكلانا عبد لله. وقد دخل هذه القصة بعض الإسرائيليات، منها أن سليمان - عليه السلام - جعل الصرح على هذه الصورة لتكشف بلقيس عن ساقيها لأنه بلغه أنها مُشْعِرة الساقين، إلى غير هذا من الافتراءات التي لا تليق بمقام النبوة. ثم يأتي بنا الحق سبحانه إلى نبي آخر في موكب الأنبياء: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ... }.