الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُم بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

المؤمنون هم أصحاب عقيدة الإيمان، وهو أن تؤمن بقضية الحق الواحد الإله المختار الفاعل الذي له صفات الكمال، تؤمن بها حتى تصير عقيدة في نفسك ثابتة لا تتزعزع، والإيمان اعتقاد بالقلب، وقَوْل باللسان، وعمل بالجوارح، فلا يكفي النطق باللسان، إنما لابد من أداء تكاليف الإيمان ومطلوباته، وقمتها إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وصَوْم رمضان، والحج. فالصلاة دعوة من الله لخَلْقه، دعوة من الصانع للمصنوع، فربُّك يستدعيك إلى حضرته، وكيف بالصَّنْعة إذا عُرِضَتْ على صانعها كل يوم خمس مرات، ومع ذلك نرى مَنْ يُقدِّم العمل على الصلاة، وإذا سمع النداء قال عندي أعمال ومشاغل، إياك أنْ تظن أن الصلاة تعطيل للمصالح، أو إضاعة للوقت لأنك في حركة حياتك مع نِعَم الله وفي الصلاة مع الله. ونقيس هذه المسألةَ - ولله المثل الأعلى - لو أن أباك ناداك فلم تُجبه، ماذا يفعل بك؟ فلا يكُنْ ربُّك أهونَ عليك من أبيك، ربك يناديك: الله أكبر يعني: أكبر من العمل، وأكبر من كل شيء يشغلك عن تلبية ندائه. وفي الصلاة نأخذ شحنة إيمانية تُقوِّينا على حركة حياتنا، كما لو ذهبتَ ببطارية السيارة مثلاً لجهاز الشحن أتقول: إنك عطلتَ البطارية؟ ولو حسبنا الوقت الذي تستغرقه الصلوات الخمس لوجدناه لا يتعدّى ساعة من الأربع والعشرين ساعة، فلا تضن على نفسك بها لتلتقي بربك، وتقف بين يديه، وتعرض نفسك عليه، فيصلح فيك ما أفسدته حركة الحياة ويعطيك المدد والعون والشحنة الإيمانية التي تدفعك إلى حركة منسجمة مع الحياة والكون من حولك. وإنْ كان مهندس الآلة يُصلحها بشيء مادي، فربُّك - عز وجل - غَيْب، فيصلحك بالغيب، ومن حيث لا تدري أنت، لذلك كانت الصلاة في قمة مطلوبات الإيمان. فإنْ كانت الصلاة لإصلاح النفس، فالزكاة لإصلاح المال لذلك تجد دائماً أن الصلاة مقرونة بالزكاة في معظم الآيات، وإنْ كان المال نتيجة العمل، والعمل فرع الوقت، فإن الصلاة تأخذ الوقت، والزكاة تأخذ نتيجة الوقت، الزكاة تأخذ 2.5% أمّا الصلاة فتأخذ الوقت نفسه يعني بنسبة 100%. ومع ذلك لا نقول: إن الصلاة أضاعتْ الوقت، لأن الشحنة التي تأخذها في الصلاة تجعلك تنجز العمل الذي يستغرق عدة ساعات في نصف ساعة، فتعطيك بركة في الوقت. وسبق أن قلنا: إن نداء الله أكبر يعني: أن لقاء الله أكبر من أي شيء يشغلك مهما رأيته كبيراً لأنه سبحانه واهب البركة، وواهب الطاقة، وإنْ كان العمل والسَّعْي في مناكب الأرض مطلوباً، لكن الصلاة في وقتها أَوْلَى. وحين نتأمل أطول الأوقات بين كل صلاتين نجد أنها من الصبح حتى الظهر، وهو الوقت المناسب للعمل، ومن العشاء حتى الصبح، وهو الوقت المناسب للنوم، وهكذا تُنظِّم لنا الصلاة حياتنا، فمِنْ صلاة الصبح إلى صلاة الظهر سبع ساعات هي ساعات العمل.

السابقالتالي
2