الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ }

جاءت هذه الآية بعد الانتهاء في إيجاز مُبسّط لقصة موسى عليه السلام مع فرعون، وخُتمت بقوله تعالى:إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } [الشعراء: 67-68]. ثم تكلم الحق سبحانه عن نبيه إبراهيم عليه السلام { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ } [الشعراء: 69] مما يدل على أن المسألة في القرآن ليست سَرْداً للتاريخ، فإبراهيم كان قبل موسى، ولو أردنا التأريخ لجاءت قصة إبراهيم أولاً، إنما الهدف من القصص في القرآن التقاط مواضع العِبْرة والعِظَة واتخاذ الأُسوة من تاريخ الرسل، ليُثبِّت الله بها فؤاد رسوله صلى الله عليه وسلم حينما يواجه الأحداث الشاقة والعصيبة. والمتأمل في رسالة موسى ورسالة إبراهيم عليهما السلام يجد أن موسى جاء ليعالج مسألة هي قمة العقيدة، ويواجه مَنِ ادّعى الألوهية وقال: إني إله من دون الله، أما إبراهيم فقد عالج مسألة الشرك مع الله وعبادة الأصنام، فعندهم طَرَف من إيمان، بدليل أنهم إذا ضيّقنا عليهم الخناق قالوا:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ.. } [الزمر: 3]. لذلك كانت قصة موسى أَوْلَى بالتقديم هنا. ومعنى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ.. } [الشعراء: 69] أي: اقرأ، أو وضِّح، أو عبِّر، ونقول للقراءة تلاوة لأنه لا يُتلَى إلا المكتوب المعلوم المفهوم { عَلَيْهِمْ.. } [الشعراء: 69] على أمة الدعوة كلها، أَمْ على المكذبين خاصة؟ قالوا: على المكذِّبين خاصة لأن المصدِّقين برسول الله لا يحتاجون هذه التلاوة، وإنْ تُليَتْ عليهم فإنما التلاوة للتذكرة أو لعلم التاريخ. إذن: المراد هنا المكذِّبون المنكرون ليعلموا أن نهاية كل رسل الله في دعوتهم النصر والغلبة، وأن نهاية المكذبين المخالفين الهزيمة والاندحار. فكأن القرآن يقول لهم: لا تغتروا بقوتكم، ولا بجاهكم، ولا تنخدعوا بسيادتكم على العرب، ومعلوم أن مكانة قريش بين العرب إنما أخذوها من خدمة بيت الله الحرام، وما أَمِنُوا في طرق تجارتهم إلاَّ بقداسة بيت الله وحُرْمته. ولولا البيت ما كان لقريش كل هذه المكانة، بدليل قوله تعالى:لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } [قريش: 1-2]. ولو انهدم البيت في قصة الفيل ما كان لقريش سيادة ولا سيطرة على الجزيرة العربية، وما دام أن الله تعالى فعل معهم هذافَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [قريش: 3-4]. ومعنى { نَبَأَ.. } [الشعراء: 69] أي: الخبر الهام الذي يجب أنْ يُقال، ويجب أنْ يُنصتَ له، وأنْ تُؤخَذ منه عِبْرة وعِظة، فلا يُقال نبأ للخبر العادي الذي لا يُؤبَهُ له. ولو تتبعتَ كلمة نبأ في القرآن لوجدتها لا تُقَال إلا للأمر الهام، كما في قوله تعالى:عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [النبأ: 1-2]. وقوله تعالى في قصة سليمان عليه السلام والهدهد:

السابقالتالي
2