الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }

هذه هي التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه حمّل نفسه في تبليغ الرسالة فوق ما يُطيق، وفوق ما يطلبه الله منه حِِرْصاً منه على هداية الناس، وإرجاعهم إلى منهج الله ليستحقوا الخلافة في الأرض، ولأن من شروط الإيمان أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك. والحق - تبارك وتعالى - يُسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال له في سورة الكهف:فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [لكهف: 6]. كأن ترى ولدك يُرهق نفسه في المذاكرة، فتشفق عليه أنْ يُهلك نفسه، فأنت تعتب عليه لصالحه، كذلك الحق - تبارك وتعالى - يعتب على رسوله شفقة وخوفاً عليه أنْ يُهلِك نفسه. ومعنى { بَاخِعٌ.. } [الشعراء: 3] البخع: الذَّبْح الذي لا يقتصر على قَطْع المرىء والودجين، إنما يبالغ فيه حتى يفصل الفقرات، ويخرج النخاع من بينها، والمعنى: تحزن حزناً عميقاً يستولي على نفسك حتى تهلك، وهذا يدل على المشقة التي كان يعانيها الرسول صلى الله عليه وسلم من تكذيب قومه له. وفي موضع آخر، يقول سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ.. } [فاطر: 8] فهذا أمر نهائي واضح، ونَهْي صريح، بعد أنْ لفتَ نظره بالإنكار، فقال: { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ.. } [الشعراء: 3]. وقد نبّه الله تعالى رسوله في عِدّة مواضع حتى لا يُحمِّل نفسه فوق طاقتها، فقال الحق سبحانه وتعالى:فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } [الرعد: 40]. وقال:لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } [الغاشية: 22]. وقال:وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ.. } [ق: 45]. فالحق - تبارك وتعالى - يقول لرسوله: يسِّر على نفسك، ولا تُكلِّفها تكليفاً شاقّاً مُضْنياً، والعتاب هنا لصالح الرسول، لا عليه. ثم يقول الحق سبحانه: { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ... }.