الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ }

النخل من الزروع، لكن خصَّ النخل بالذِّكْر، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم به، وشبَّهه بالمؤمن في الحديث: " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها " قال الراوي: فوقع الناس في شجر البوادي، ولم يهتدوا إليها، فلما خرج عمر وابنه عبد الله قال: يا أبي، لقد وقع في ظني أنها النخلة لأنها مثل المؤمن كل ما فيه خير. نعم لو تأملتَ النخلة لوجدتَ أن كل شيء فيها نافع، وله مهمة، وينتفع الزارع به، ولا يُلْقَى منها شيء مهما كان بسيطاً. فالجذوع تُصنع منها السواري والأعمدة، وتُسقف بها البيوت قبل ظهور الخرسانة، ومن الجريد يصنعون الأقفاص، والجزء المفلطح من الجريدة ويسمى القحف والذي لا يصلح للأقفاص كانوا يجعلونه على شكل معين، فيصير مقشّة يكنسون بها المنازل. ومن الليف يصنعون الحبال، ويجعلونه في تنجيد الكراسي وغيرها، حتى الأشواك التي تراها في جريد النخل خلقه الله لحكمة وبقدَرٍ لأنها تحمي النخلة من الفئران أثناء إثمارها، والليف الذي ينمو بين أصول الجريد جعله الله حماية للنخلة، وهي في طور النمو، وما تزال غَضَّة طرية، فلا يحمي بعضها على بعض. إذن: هي شجرة خيِّرة كالمؤمن، وقد تم أخيراً في أحد البحوث أن أخذوا الجزء الذي يسمى بالقحف، وجعلوه في تربة مناسبة، فأنبتوا منه نخلة جديدة. لذلك لما قال ابن عمر: إنها النخلة. ذهب عمر إلى رسول الله، وحكى له مقالة ولده، فقال صلى الله عليه وسلم: " صدق ولدك " فقال عمر: فوالله ما يسرني أن فَطِن ولدي إليها أن لي حمر النعم. والذين يزرعون النخيل يروْنَ فيه آيات وعجائب دالّة على قدرة الله تعالى. ومعنى { طَلْعُهَا هَضِيمٌ } [الشعراء: 148] الطَّلْع: هو الكوز الذي تخرج منه الشماريخ في الأُنْثى ويخرج منه المادة المخصبة في الذكر، والتي قال الله عنها:قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ.. } [الأنعام: 99]. وفي الذَّكر يخرج من الكوز المادة المخصِّبة للنخلة، وللقِنْوان أو الشماريخ أطوار في النمو يُسمُّونه الخلا، فيظل ينمو ويكبر إلى أنْ يصل إلى نهايته حَدّاً حيث يجمد على هذه الحالة، ويكتمل نموه الحجمي، ثم تبدأ مرحلة اللون. يقولون عفَّر النخل: يعني شاب خضرته حمرة أو صفرة. فإذا اكتمل احمرار الأحمر واصفرار الأصفر، يسمى بُسْر ثم يتحول البُسْر إلى الرطب حيث تلين ثمرته وتنفصل قِشْرته، فإنْ كان الجو جافاً فإنَّ الرُّطَب يَيْبس، ويتحول إلى التمر حيث تتبخَّر مائيته، وتتماسك قِشْرته، وتلتصق به. ومعنى { هَضِيمٌ } [الشعراء: 148] يعني: غَضٌّ ورَطْب طريٌّ، وهذا يدل على خصوبة الأرض، ومنه هضم الطعام حتى يصير ليِّناً مُسْتساغاً. ثم يقول الحق سبحانه: { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ... }.