الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ }

وكانت السماء قبل محمد صلى الله عليه وسلم تجعل الرسول يُدلِي بمعجزته، أو يقول بمنهجه، لكن لا تطلب منه أن يُؤدِّب المعاندين والمعارضين له إنما تتولّى السماء عنه هذه المهمة فتُوقِع بالمكذبين عذابَ الاستئصال. وقد أُمِنَتْ أمة محمد صلى الله عليه وسلم من عذاب الاستئصال، فمَنْ كفر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم لا يأخذه الله كما أخذ المكذِّبين من الأمم السابقة، إنما يقول سبحانه:قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ.. } [التوبة: 14]. وكلمة { فَأَهْلَكْنَاهُمْ.. } [الشعراء: 139] كلمة صادقة، لها دليل في الوجود نراه شاخصاً، كما يقول الحق سبحانه:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [الفجر: 6-8]. نعم، كانت لهم حضارة بلغتْ القمة، ولم يكُنْ لها مثيل، ومع هذا كله ما استطاعت أنْ تصون نفسها، وأخذها الله أَخْذ عزيز مقتدر. قال تعالى:وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [الصافات: 137-138]. وقال:فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ.. } [النمل: 52]. أي: أنها شاخصة أمامكم تروْنها وتمرُّون عليها، وأنتم لم تبلغوا مبلغَ هذه الحضارة، فإذا كانت حضارتهم لم تمنعهم من أَخْذ الله العزيز المقتدر، فينبغي عليكم أنْ تتنبهوا إلى أنكم أضعف منهم، وأن ما حاق بالكافرين وما نزل بالمكذِّبين ليس ببعيد عن أمثالهم من الأمم الأخرى. لذلك تجد الحضارات التي تُتوَارث في الكون كلها آلتْ إلى زوال، ولم نجد منها حضارة بقيتْ من البداية إلى النهاية، ولو بُنِيَتْ هذه الحضارات على قيم ثابتة لكان فيها المناعة ضد الزوال. وقوله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً.. } [الشعراء: 139] أي: في إهلاك هذه الحضارة لأمر عظيم، يُلفِت الأنظار، ويدعو للتأمل: { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } [الشعراء: 139].