الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } * { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

تأمل هنا أدب نوح - عليه السلام - حين يشكو قومه إلى الله ويرفع إليه ما حدث منهم، كل ما قاله: { إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } [الشعراء: 117] ولم يذكر شيئاً عن التهديد له بالرجم، وإعلان الحرب على دعوته، لماذا؟ لأن ما يهمه في المقام الأول أن يُصدِّقه قومه، فهذا هو الأصل في دعوته. وقوله: { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً.. } [الشعراء: 118] الفتح في الشيء إما: حسياً وإما معنوياً، فمثلاً الباب المغلَق بقُفْل نقول: نفتح الباب: أي نزيل أغلاقه. فإنْ كان الشيء مربوطاً نزيل الأشكال ونفكّ الأربطة. ومن ذلك قوله تعالى في قصة يوسف:وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ.. } [يوسف: 65] أي: أزالوا الرباط عن متاعهم، هذا هو الفتح الحسِّيّ. أما الفتح المعنوي فنُزيل الأغلاق والأشكال المعنوية ليأتي الخير وتأتي البركة، كما في قوله سبحانه:وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ.. } [الأعراف: 96]. وفي آية أخرى:مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ.. } [فاطر: 2]. والخير الذي يفتح الله به على الناس قد يكون خيراً مادياً، وقد يكون عِلْماً، كما في قوله تعالى:أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ.. } [البقرة: 76]. أي: من العلم في التوراة، يخافون أن يأخذه المؤمنون، ويجعلوه حجة على أهل التوراة إذا ما كان لهم الفتح والغَلَبة، فمعنى:بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ.. } [البقرة: 76] أي: بما علَّمكم من علم لم يعلموه هم. وقد يكون الفتح بمعنى الحكم، مثل قوله سبحانه:رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ } [الأعراف: 89]. ويكون الفتح بمعنى النصر، كما في قوله تعالى:إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } [النصر: 1]. ثم يقول نوح عليه السلام: { وَنَجِّنِي.. } [الشعراء: 118] من كيدهم وما يُهدِّدونني به من الرَّجْم { وَمَن مَّعِي مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الشعراء: 118] لأن الإيذاء قد يتعدّاه إلى المؤمنين معه، وتأتي الإجابة سريعة: { فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ... }.