الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

الحق - تبارك وتعالى - يقصُّ على رسوله قصص الأنبياء، وهو أحسن القصص لحكمة:وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ.. } [هود: 120]. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بمعارك كثيرة مع الكفر، فكان يحتاج إلى تثبيت مستمر كلما تعرض لشدة لذلك تكرر القصص القرآني لرسول الله على مدى عمر الدعوة، والقصص القرآني لا يراد به التأريخ لحياة الرسل السابقين، إنما إعطاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم عِبرةً وعظة بمَنْ سبقه من إخوانه الرسل لذلك كانت القصة تأتي في عدة مواضع، وفي كل موضع لقطة معينة تناسب الحدث الذي نزلت فيه. وهنا يقول سبحانه: { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ.. } [الشعراء: 10] يعني: اذكر يا محمد، إذ نادى ربك موسى أي: دعاه. لكن لماذا بدأ بقصة موسى عليه السلام بالذات؟ قالوا: لأن كفار مكة كفروا بك أنت، فلا تحزن لأن غيرهم كان أفظع منهم، حيث ادعى الألوهية، وقال:مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي.. } [القصص: 38]. والسياق هنا لم يذكر: أين ناداه ربه، ولا متى ناداه، وبدأ الحوار معه مباشرة، لكن في مواضع أخرى جاء تفصيل هذا كله. ثم يأتي الأمر المباشر من الله تعالى لنبيه موسى: { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [الشعراء: 10] أي: الذين ظلموا أنفسهم، بأنْ جعلوا لله تعالى شريكاً، والشرك قِمَّة الظلمإِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13]. ولم يُبيِّن القرآن مَنْ هم هؤلاء الظالمون لأنهم معروفون مشهورون، فهم في مجال الشرك أغنياء عن التعريف، بحيث إذا قلنا { ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [الشعراء: 10] انصرف الذِّهْن إليهم، إلى فرعون وقومه لأنه الوحيد الذي تجرّأ على ادعاء الألوهية، وبعد أنْ ذكرهم بالوصف يُعيِّنهم: { قَوْمَ فِرْعَوْنَ... }.