الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً }

كيف نفهم مضاعفة العذاب في هذه الآية مع قوله تعالى في آية أخرى:وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا.. } [الشورى: 40]. ويقول سبحانه:مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [الأنعام: 160]. الحقيقة لا يُوجد تناقض بين آيات القرآن الكريم، فالذي يرتكب هذه الفِعْلة يكون أسْوة في المجتمع تُجرِّىء الغير على ارتكاب هذه الجريمة لذلك عليه وزْرة كفاعل أولاً، وعليه وِزْر مَنِ اقتدى به. كما جاء في قوله تعالى حكايةً عن الكافرين:إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [الزخرف: 23] إذن: فوجود الآباء كقدوة للشر يزيد من شرِّ الأبناء، فكأنهم شركاء فيه. لذلك يقول الله تعالى في موضع آخر:لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ.. } [النحل: 25]. وقال:وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ.. } [العنكبوت: 13]. فالوِزْر الأول لضلالهم في ذاته، والوِزْر الآخر لأنهم أضلّوا غيرهم، هذا هو المراد بمضاعفة العذاب. وقوله تعالى: { وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } [الفرقان: 69] معنى مُهَاناً: حينما وصف القرآن العذاب وصفه مرةً بأنه أليم، ومرةً عظيم، ومرة مُهين. فالذي ينظر إلى إيلام الجوارح يقول: هذا عذاب أليم لأنه يُؤلم كل جارحة فيه، فالعذاب أمر حِسيّ، أما الإهانة فأمر معنوي، ومن الناس مَنْ تؤلمه كلمة تنال من كرامته، ومنهم مَنْ يُضرب فلا يؤثر فيه. والخالق - عز وجل - خلق الناس وعلم أزلاً أنهم أبناء أغيار، ليس معصوماً منهم إلا الرسل، إذن: فالسيئة مُحْتملة منهم. ومن تمام رحمته تعالى بربوبيته أنْ فتح باب التوبة لعباده، لمن أسرف منهم على نفسه في شيء لأن صاحب السيئة إنْ يئس من المغفرة استشرى خطره وزاد فساده، لكن إنْ فتحتَ له باب التوبة والمغفرة عاد إلى الجادة، واستقام على الطاعة، وفي هذا رحمة بالمجتمع كله. يقول تعالى: { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً... }.